تفاجأ العراقيون بخبر
سفر رئيس الجمهورية جلال الطالباني إلى الخارج بعد أن أُصيب بجلطة دماغية ،
وأنه أكثر كان بعد اجتماعه مع رئيس الوزراء نوري المالكي في أواخر نوفمبر
عام 2012 ، مع أن هذه ليست المرة الأولى لمرضه وسفره إلى الخارج للعلاج ، إنما هذه المرة كانت
للأحداث الحرجة التي يمر بعا العراق خصوصية ، حيث أن التظاهرات والاعتصامات في أكثر من 5
محافظات عراقية ذات الغالبية السنية هي التي أحدثت زعزعة في المنطقة الخضراء وفي
منطقة كردستان على السواء، ولا يخفى أن الانتهاكات بحق أغلبية سكانية وهي المكون السني
قد فاق كل الحدود التي يجنح فيها المجرمون بأفعالهم ، ومن أفظعها اغتصاب الحرائر السنيات في
السجون، عوضاً عن إلقاء القبض عليهم بلا تهم موثقة وأدلة ولا مذكرات قبض ، بل
بحكمهن (كرهينة) بدل أقربائهن المطلوبون .
أنتظر الشارع العراقي
وما زال أنباء تبين حقيقة مصير جلال الطالباني كونه أكبر سلطة في البلاد ، فلا
يُعقل أن يكون مرضه الطويل وتصريحات الأطباء تظهر عبر جمل مبهمة مقتضبة في الشريط
الأخباري للقنوات الفضائية طوال الأشهر السبع الماضية . من غير المنطقي أن يظهر
خبر من مكتب الرئيس ينفي تدهور صحته ، وآخر يعلن عن أن الطبيب المرافق لرئيس
الجمهورية يعلن عن تناقص احتياجاته للأجهزة الطبية .
من غير
الطبيعي أن لا
تُجرى أي زيارات مصورة له في المستشفى ، بل والأغرب أن لا يوجد خبر
واحد يعلن عن أن أحد الساسة في كردستان قد سافر إلى ألمانيا والتقى بفخامته
مطمئناً
عن صحته ، وهذا يشمل أفراد حزبه بالدرجة الأولى !. ومن غير المقنع أن لا
يظهر له
شريط صوتي أو رسالة موقعة من قبله طوال الأحداث الدامية التي عصفت في
البلاد
كمجزرتي الحويجة وسارية ديالى والتفجيرات الدامية بالمفخخات أكثر من مرة
وبعدد غير
مسبوق . أن كل ما تم نشره هو صورة واحدة له في حديقة مستشفى مؤخراً ، كما
كانت في السابق صورة للمرجع
علي السيستاني في مستشفى لندن عام 2004، أو صور للشيخ عبد الملك السعدي في
ألمانيا عبر موقعه ، وهذا يمكن أن يكون من الحرج الواضح لا غير . إن الشارع
العراقي يعجب من الصمت الحكومي على حالته الصحية خاصة من قبل رئيس الوزراء
نوري
المالكي ، وكأنه لم يكن ، والذي لا معنى لها سوى أمران ، أما أنه قد توفي
منذ أول أيام سفره ، أو طريح
الفراش عاجز عن الحركة والكلام نتيجة شلل تام ، كما صرح ( حسن العلوي ) في
مقابلة
مع قناة البغدادية وبرنامجهم (الساعة التاسعة ) حينما أكد أن طالباني يعاني
من موت
دماغي وهي مرحلة تسبق اعلان وفاة شخص ، ويمكن ابقاؤه حيا ًبمساعدة الاجهزة
الحيوية
في غرفة الانعاش ، وتعني دخوله في حالة) كوما ) ، مع أنه لمح في جملة غريبة بقوله ( ما
يجوز يؤجل الأجل )، وفي كلا الحالتين يظهر سؤال ملح : هل هناك مصلحة لهذا
الغموض ؟
إن غياب الإعلان عن
مصير جلال الطالباني مرتبط بكل الأحوال بمصالح الأحزاب السياسية المتنفذة ، حيث أن
كردستان والمركز تتعامل مع غياب الطالباني بشكل ينبأ عن أنه حدث طاريء خطير يتطلب
وجود البدائل واستمرار العمل بوتيرة مشابهة بهدوء وتعتيم تام لمصالح أحزابهم ومكاسبهم ، فمن جانب الممنطقة الخضراء ،
يعتبر مركز رئاسة الجمهورية وصلاحياته الدستورية هامة ، والأهم أن المادة 105 ــ
أولاً تنص على أن
تكون مدة ولاية رئيس
الجمهورية، أربع سنوات، ويجوز اعادة انتخابه لولايةٍ ثانية فقط ، وهذه الفترة قد
انتهت . أما المادة 107 ثانياً تنص على أن المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات
الدولية هي من صلاحيات الرئيس ، كما أن المادة ثامناً تنص على أن من صلاحياته المصادقة
على أحكام الاعدام التي تصدرها المحاكم المختصة . من هنا يتبين مباشرة النائب (
خضير الخزاعي ) في القيام بمهام رئيس الجمهورية وفق الدستور، حيث المادة 106
ثانياً تنص على أن يحل نائب رئيس الجمهورية محل الرئيس عند غيابه . مع أن الكثير
من الساسة الكرد يعترضون على استمرار هذا الوضع كون المنصب من حصة الأكراد ، حتى
أن هناك أنباء تقول بأن زوجة طالباني يمكن أن تشغل المنصب .
إن هذا التعتيم في
مصلحة المالكي وباقي الأحزاب الصفوية في استمرار حملة الإبادة ضد أهل السنة بتكثيف
قرارات الإعدام رغم معارضة حقوق الإنسان الدولية ، ناهيك عن اتفاقيات الأمن القومي
الموقعة بين العراق وإيران وما يتابعها من إجراءات ، والأرجح أن له علاقة بما حصل من تداعيات التظاهرات وصلاحية رئيس الجمهورية في تقديم طلب
لمجلس النواب لسحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء بحسب المادة 67 المادة أ في الدستور ، فالأنباء من المواقع
الإخبارية تتحدث عن خلافات بين المالكي والطالباني واتهام حزبه لرئيس الوزراء الذي
احتكر كل المناصب السيادية وفرض ديكتاتورية غير مسبوقة ، حيث نقلت وكالة الأخبار
العراقية هذه الخلافات بالنص التالي:
(حمل آزاد جندياني
المتحدث الرسمي باسم المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني (حزب الرئيس
العراقي جلال الطالباني) رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي مسؤولية ما يجري في
العراق من تظاهرات واعتصامات، متهما المالكي بتهميش القوى السياسية العراقية
وتجاهله نداءات الرئيس جلال الطالباني. وقال جندياني في تصريح لـ«عكاظ» إن بعض
سياسات المالكي ساهمت في تأجيج الأوضاع والاضطرابات في الداخل.)
أما عن الأكراد ، فإن
الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يرأسه مسعود البارزاني في صدام مستمر مع حكومة
بغداد حول الاتفاقيات غير المنفذة سواء اتفاقيات النفط والغاز والتي هي لكردستان
أهمية قصوى، أو في تنفيذ اتفاقية أربيل المعطلة، وبحسب المصدر ذاته، نشر خبراً مفاده
وجود برقية دبلوماسية أمريكية يرجع تاريخها إلى عام 2008 ونشرها موقع ويكيليكس في
وقت لاحق، قد كشفت قلقاً من جانب البرزاني بشأن كيفية التعامل مع بغداد وطهران في
عهد ما بعد الطالباني ، وبما للموضوع من أهمية
، يجدر أن تتوضح طبيعة التجاذبات بين الحزبين الكرديين وتعاملهما مع بغداد ،
ويلخص هذا نص من مقالة ل(واع) بعنوان ( رويتر : غياب الرئيس العراقي سيخل
المعادلة السياسية للأكراد ) وفيها :
) أدى التعاون بين
الاتحاد الوطني الكردستاني إلى تحول منطقة كردستان العراق من منطقة جبلية منعزلة
إلى منطقة مزدهرة تخترق فيها شركات النفط الدولية المتنافسة على استغلال الاراضي
ومشاريع البناء افق العاصمة اربيل. وقال عدنان مفتي العضو الكبير بالاتحاد الوطني الكردستاني
انه ما لم يكن هناك تعاون كامل بين الحزبين فلا يمكن الوقوف امام بغداد. وأضاف أن
العاصفة قادمة من سوريا ولهذا فإن على الأكراد الوقوف صفا واحدا. وقال مصدر كبير
بالحزب الديمقراطي الكردستاني طلب عدم الكشف عن اسمه بسبب حساسية الموقف
"ستقع بعض الاضطرابات العام القادم."
ومنذ
مرض الطالباني جدد الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني
التزامهما بالاتفاق الاستراتيجي بينهما لكن محللين ودبلوماسيين يقولون ان الاتفاق
قد يحتاج في نهاية المطاف الى اعادة هيكله وان اي تغيير في التوازن قد يصيب
البرزاني بالقلق.
وقال
رمزي مارديني في معهد العراق للدراسات الاستراتيجية في بيروت ان وصفة البرزاني
للحكم هي ان يظل الحزب الديمقراطي الكردستاني اقوى من اي كيان سياسي اخر والمعارضة
غير قادرة على تعزيز قوتها المحتملة. أضاف ان التحالف بين
الحزبين ووجود الطالباني المنافس اللدود للبرزاني في بغداد يرضي استراجيته حيث أبرم
تعاقدات تجارية مع الأتراك وعزز سلطته في اربيل . )أنتهى
كتب في /الأحد، 16 يونيو، 2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق