كلام في المذهب الجعفري مع الملا باشي
من وعي عالم دين فطن إلى أن التشيع ببدعه لا يكفي أن يرفع سب الشيخين وإنما هو عبادات يومية تتعلق بأهم ركن في الإسلام إلا وهو الصلاة وقد أنتبه إليها وأبلغ باختلافها مع الصلاة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها وهي ما هم عليه أهل المذاهب من أركانها الأساسية.
فهل أنتهى الأمر هكذا وتم تشخيص الفروق ؟ كان السويدي يعلم أن التعديل يجب أن يتم من الأساس من النهج الذي يتبعوه وهو المذهب الجعفري كما يزعمون .
فكان له مع الملا باشي هذا الحوار . وهو يقول في مذكراته في نهايتها .
واجتمعت مع الملا باشي عصر يوم الجمعة ، وتذاكرنا في خصوص مذهب الجعفرية ( مذهب جعفر الصادق)
فقلت : إن المذهب الذي تتعبدون عليه باطل لا يرجع الى اجتهاد مجتهد .
قال الملا باشي : هذا هو أجتهاد جعفر الصادق * .
قلت : ليس لجعفر الصادق فيه شيء ، و أنتم لا تعرفون مذهب جعفر الصادق .
فإن قلتم : إن في مذهب جعفر الصادق تقية ، فلا أنتم و لا غيركم يعرف مذهبه لاحتمال كل مسألة أن تكون تقية ، فأنه بلغني عنكم أن له في البئر إذا وقعت فيها نجاسة ثلاثة أقوال :
أحدها أنه سئل عنها فقال : هي بحر لا ينجسها شيء .
ثانيها : انها تنزح كلها .
ثالثها : ينزح منها سبعة دلاء أو ستة .
فقلت لبعض علمائكم كيف تصنعون بهذه الأقوال الثلاثة ؟
فقال : ــ مذهبنا أن الإنسان إذا صـارت له أهلية الاجتهاد يجتهد في أقوال جعفر الصادق فيصــحح واحـــداً منها .
قلت : و ما يقول في الباقي ؟
قال : يقول أنها تقية .
قلت : إذا أجتهد واحد فصحح غير هذا القول فما يقول في القول الذي صححه المجتهد الاول ؟
قال يقول أنها تقية .
قلت : ــ إذن ضاع مذهب جعفر الصادق .
إذ كل مسألة تنسب له يحتمل ان تكون تقية إذ لا علاقة تميز بين ما هو للتقية و بين غيره فانقطع ذلك العلم .. فما جوابك أنت ؟
فانقطع هو أيضاً . فقلت : ــ فإن قلتم ( ليس في مذهب جعفر الصادق تقية ) فهو في مذهب غير المذهب الذي أنتم عليه لأنكم كلكم تقولون بالتقية .
أنقطع الملا باشي ، ثم ذكرت له دلائل غير هذا تدل على أن الذي في أيديهم ليس بمذهب جعفر الصادق .
ثم أذِن لي الشاه بالعودة إلى بغداد ، وأرسل معي صورة الجريدة وصورة الخطبة ، فلأجل هذا الذي حدث عزمت على الحج ، اللهم يَسر ذلك .
* هذا التعبير لا يتفق و طبيعة أعتقاد الشيعة في كلام جعفر و سائر الأئمة عندهم هم مشرعون لا مجتهدون ، و قولهم كقول الرسول صلى الله عليه و سلم في اعتقادهم ، نقلاً عن ، القفاري ، المصدر السابق ، هامش ، ص 163 .
تم الكتاب ولله الحمد .
الجزء الأخير
حقيقة أغراض مؤتمر النجف في بنوده
من يقرأ هذه المذكرات لا بد وأن جال في عقله سؤال عن غرض هذا المؤتمر الذي جمع له نادر شاه علماء الدين من مختلف البلدان وصرف أموال طائلة وأقر برفع السب ثم لم يكتفي بهذا بل جمع الكل في خطبة تثني على الخلفاء الراشدين وتترضى عليهم وهو ما لا يفعله الشيعة الصفويين سابقاً ولا لاحقاً ، ألأجل حفنة من الجنود يمكن استبدالهم بل يمكن التضحية بهم في سبيل أطماعه وطبيعته السادية المعروفة ؟
طبعاً لا ، ففي كتاب المؤرخ العراقي علي الوردي ( تاريخ العراق الحديث ) قد ذكر البنود التي تم الاتفاق عليها والوعد بتطبيقها من كلا الطرفين ما تكمل الصورة وتبين حقيقة هذه النفس الشيطانية الفارسية. ويا لها من بنود جهنمية مداها إلى نجد، أنقلها من كتاب تاريخ العراق الحديث الجزء الأول للأستاذ علي الوردي بعنوان ( قرارات المؤتمر ):
وبعد مجادلات طويلة لا مجال لذكرها تم الإتفاق على قرارات معينة، ثم اجتمع علماء الطائفتين أخيراً تحت المسقف المنصوب وراء ضريح الإمام فكتبوا محضراً يشتمل على خمس مواد وهي :
الأولى : بما أن أهل إيران عدلوا عن العقائد السالفة، ونكلوا عن الرفض والسب، وقبلوا المذهب الجعفري الذي هو من المذاهب الحقة، فالمأمول من القضاء والعلماء والأفندية اكرام الإذعان بذلك وجعله خامس المذاهب .
الثانية : أن الأركان الأربعة من الكعبة المعظمة في المسجد الحرام التي تعلق بالمذاهب الأربعة ، فالمذهب الجعفري يشاركهم في الركن الشامي بعد فراغ الإمام الراتب فيه من الصلاة ــ يصلون بإمامهم على طريقة الجعفرية .
الثالثة : في كل سنة يُعين من حكومة إيران أمير للحاج الإيراني ويكون في الدولة العلية العثمانية أعلى شأناً من الأمير المصري والشامي .
الرابعة: فك الأسرى من الجانبين ومنع وقوع التحقير عليهم .
الخامسة : يعين وكيلان في الدولتين في مقر السلطنتين لأجل القيام بمصالح المملكتين وبهذه الوسيلة ترتفع الاختلافات الصورية والمعنوية ما بين أمة سيد الثقلين .
ثم سجلت في المحضر خلاصة العقيدة التي تم الاتفاق عليها بين الفريقين وهي الإقرار بالخلفاء الأربعة على الترتيب وأن جعفر الصادق من ذرية الرسول وممدوح سائر الأمم ومقبول عند أئمة سائر المذاهب، فمن أظهر العداوة له فهو عار من كسوة الدين . ثم سُجلت كذلك شهادة أهل السنة على هذه العقيدة . أنتهى
يتضح أن الكسب الكبير هو جعل ركن من أركان الكعبة المشرفة للشيعة يقومون فيه بالصلاة على طريقتهم بل حددوا الركن الشامي تحديداً دون غير بينما بلاد فارس والعراق في أتجاه مغاير ومعاكس ! إضافة إلى تعيين وكيل لهم يشارك في حل الخلاف ظاهرياً وفي القرارات بمعنى أصح هو ما يصبو إليه دهاء هذا الشاه والذي هو حتماً ما يصبو إليه مراجع قم إلى يومنا هذا ، وما فشلوا في تحقيقه عن طريق مؤتمرات التقريب المائعة التي أضرت بأهل السنة يجري تحقيقه عن طريق الغزو للعراق ومنه إلى مكة لنشر ولاية الفقيه السفيه، وهيهات لهم ذلك .
علي الوردي وطائفيته الشيعية واتهاماته الخطيرة للسويدي :
من قراءتي لكتاب علي الوردي الجزء الأول منه ولعدة فصول وجدت في كتابه تعليقات كثيرة واستنتاجات لا أدري من أين مصدرها وخاصة مصير الحائري . أرى غرابة أن لا يدرج المؤرخ الأستاذ علي الوردي شيء من المناظرات التي حدثت ولا ما هي القرارات التي أُلزم بها الإيرانيون والتي أعلنت على الملأ في حق الخلفاء الراشدين وهم أفضل من صحب النبي الأمين صلى الله عليه وسلم وهم من حمل لنا هذا الدين العظيم بأمانة بل كل ما أشارعليه هو عبارة واحدة هي ( بعد مجادلات كثيرة لا مجال لذكرها هنا تم الاتفاق على قرارات معينة ) ! بينما أدرج البنود أعلاه وهو يصف الإمامية التي تنسب نفسها إلى جعفر الصادق (رض) بأنها (من المذاهب الحقة)وهو يضع هامش لكتاب السويدي (الحجة القطعية لاتفاق الفرق الإسلامية) بطبعتيه في القاهرة والثانية هي نفسها النسخة التي أنقل منها هنا، وأيضاً وصف الأستاذ الوردي العلامة السويدي بأنه ما أحسن الظن حين لاحظ أن الحائري قد كسر حرف الراء من عمر وأنها (هنة بسيطة) أنتهزها (أي السويدي) فرصة وأخذ يبالغ فيها ويستنتج منها ما توحي به روح الخصومة القديمة ! وهذا تنويه من الوردي الشيعي على زعمهم المعروف بأن أهل السنة نواصب حين قال في تعليق له ( لقد كان المفروض فيه أن يحسن الظن لكنه لم يفعل مما يدل على أن الشحناء التي دامت قرون لا يمكن أن تزول فجأة ) ! هل هذا الكلام يوجه إلى السويدي ولا يوجه إلى السفاح نادر شاه وجنوده الذين أوغلوا في دماء أهل العراق وأهل السنة منهم خاصة؟ بل لا يوجه إلى الشيعة وقد سفكوا الدماء في عهد اسماعيل الصفوي وما تبعه ؟ بل راح الوردي غفر الله له في الجزء الذي خصصه بأسم (مصير الحائري) على وضع استنتاجاته واتهامه للسويدي صراحة بقتل الحائري حين وصف رحلته إلى مكة بضبابية بينما يُفترض أن لديه مصادر تاريخية يأخذ منها كباقي مواده فقال :
( عندما وصل الحائري إلى مكة سُمح له بإقامة الصلاة والخطبة في الركن الشامي من الكعبة ــ حسبما ورد في قرارات المؤتمر ــ ولسنا ندري كيف كانت الخطبة وهل كسر راء عمر أم لا ، إنما الذي نعرفه هو أن أهل مكة هاجوا وماجوا (وهو يشير إلى كتاب محسن الأمين) مما جعل الشريف مسعود يتدخل في الأمر وأن يكتب للسلطان يخبره بما وقع .
ويخيل ألي أن للشيخ السويدي يداً في ذلك إذ أنه كتب في ختام مذكراته عن المؤتمر قائلاً : ( فلأجل هذا الذي حدث عزمت على الحج اللهم يسر لي ذلك ) ..
ولا حول ولا قوة إلا بالله أهذا دليل كافي لاتهام الشيخ السويدي ولا يأخذ بقوله أنه سيحج شكراً لله ؟
بل تابع معي ما زاد عليه وهو يكدس التبريرات على ظنه حتى بعد أن ذكر أن الحائري تم أعتقاله من قبل أمير الحج الشامي وسيق إلى دمشق للسجن، ألا يدل على أن ما قاله في الحج على الملأ وهو في هذا الركن أدى إلى رفضه ومخالفته لشعائر الحج المتعارف عليها فكان أعتقاله هناك ؟ في حين أنه أكد على أن الحائري تم نقله إلى أسطنبول بطلب من الشاه نادر نفسه فما علاقة الشيخ السويدي؟ .
أن الوثوق في نظر المؤرخ علي الوردي هو من نفس النوعية من البشر وهو يقول في كتابه متابعاً لمصير الحائري فتأمل : ( وحدثني الدكتور مرتضى نصر الله ـ وهو من سلالة الحائري ــ أن الرواية التي تتناقلها الأسرة حول مصير جدهم هي أن مات من جراء وضع السم له في الطعام ، غير أن جنازته شيعت تشييعاً رسمياً ودفن في قبر لائق به ، ولا يزال قبره قائماً وقد نصب عليه شباك تتبرك به النساء وينذرون له النذور ) .
الغريب مرة أخرى أن مؤرخ مثل علي الوردي الذي يُفترض أن يكون قد اطلع على كتب الشيعة ومنها مقاتل الطالبين وفيها الدلائل الكثيرة على أن كل المؤامرات هي من الخوارج من الفرس فلم يربط أحداث موت الحائري بالسم مع موت الكاظم رضي الله عنه وحقيقة قتله بيد الفرس أنفسهم المقربين من الحكام لكون آمر السجن هو فارسي وأتهم الخليفة بقتله بينما الذي وشي به هو من أقرباءه ، ولا حتى ربط الحادثة بقتل الرضا بنفس الطريقة من قبل الفرس وهو في طريقه إلى بغداد خشية التقرب من الخليفة ولا حتى توصل إلى المبرر الوحيد سبباً واضحاً لقتله من قبل الإيرانيين وهو أن الحائري اشترك في قضية ترك السب للشيخين ووضع أحكام كبرى بالحد وحجز أموالهم وجعلها وقف للحاكم ومما يؤكد عليه قول أحفاد الحائري بأن تشييعه كان لائقاً وما زال موجود يُزار ! لِم هذه الجملة التي ركز عليها ونقلها وهي لا تحتاج إلى ذكر لأنها عادة الشيعة في دفن علماءهم لولا علمهم أن كانت هناك ضجة للاتفاق على ما تم في المؤتمر عند الإيرانيين لأن دينهم اللعن والبراء من الشيخين ؟
ونقول مع ذلك الله العالم.
كل هذا لم يدر بخلده إلا أن شيء واحد هو الذي فكر به ووجده منطقياً للتهمة ؛ وهو عزم الشيخ عبد الله السويدي على الحج بعد المؤتمر ! .
مع أن مؤتمرات التقريب لا تجدي نفعاً مع نفوس مشبعة بالحقد ورغبة العداء إلا أن المؤتمر كان نصراً حقيقياً للشيخين وللإسلام الحق رغم سوء النية في اهدافه والخداع في إسبابه
ورحم الله الشيخ عبد الله السويدي واسكنه فسيح جناته .