الأحد، 29 أبريل 2012

جعفر السبحاتي يُفشل عصمة الأنبياء وينسبها لغير المعصومين/نقد ( عصمة الأنبياء في القرآن )

بسم الله الرحمن الرحيم
جعفر السبحاتي يُفشل عصمة الأنبياء وينسبها لغير المعصومين
نقد ( عصمة الأنبياء في القرآن )
ــــــــــــــ

حاول علماء الإمامية جاهدين أن يثبتوا عقائدهم من القرآن الكريم منذ قرون، وعندما اصطدموا بموانع الآيات المحكمة، عندها لم يجدوا مفر إلا باللجوء إلى المتشابه وطريقة التقطيع  فنتج هجين لم يتأقلم مع أحد وتناقض في أولياته . في كل عصر يتقدم فقهاءهم ليحسنوا كتب المتأخرين بكتب جديدة تفصل وتبرر وتحاول أن تنفي التناقض، وهذا بحد ذاته دليل بطلان دين التشيع الإمامي الذي مازالت أسسه تترنح وتحتاج لمن يسارع في أعمال الصيانة، ولا غير أدوات مستعملة مهترة هي ما لديهم ، كعلم الكلام والتأويل الباطني للآيات ودوامة التقية وغيرها ، فأنى لهم صحة ما يدعون وتوافق عقائدهم مع الكتاب والسنة ؟

نظرة على ما كتبه العالم جعفر السبحاتي في موقعه الألكتروني ضمن قسم المقالات عن العقايد في سلسلة المسايل العقايدية ! بعنوان (عصمة الأنبياء من القرآن الكريم) ، والذي وجدت فيه عدة نقاط تبطل استدلاله على العصمة المفصلة حسب المقاس الصفوي ، وبجهدي المتواضع الذي لا يخلو من تقصير، والذي أسعى فيه أن يكون كاشفاً عن حجب الضلالة ومظهراً للحق ، ومن الله الهدى .

1 ـ
 فشل في نفي علاقة علم الكلام بعقيدة العصمة

أقر أن علم الكلام لم يتطرق إليه الشيعة إلا الشيعة الإمامية وبه عرفوا العصمة للأئمة في حين أنه أراد نفيها لا إثباتها .
قال في تاريخ ظهور الفكرة بين المسلمين :

(ثمّ إنّ المتكلّمين هم الذين اهتموا بمسألة العصمة خصوصاً الإمامية والمعتزلة.)
في نص آخر : (فالظاهر من كلمات المتكلّمين انّها موهبة من مواهب اللّه سبحانه يتفضل بها على من يشاء من عباده بعد وجود أرضيات صالحة وقابليات مصحّحة لإفاضتها عليهم.)

(نعم نجد المستشرق «رونالدوسن» ينسب فكرة ظهور العصمة في الإسلام إلى تطور علم الكلام عند الشيعة وانّهم أوّل من تطرق إلى بحث هذه العقيدة ووصف بها أئمّتهم .
عقيدة الشيعة: 328.)
انّ هذا التحليل لا يبتني على أساس رصين وإنّما هو من الأوهام والأساطير التي اخترعتها نفسية الرجل وعداؤه للإسلام والمسلمين أوّلاً، والشيعةُ أئمّتهم ثانياً. أ هـ
!!!

2 ـ
أصطدامه بنصوص القرآن المتناقضة مع عقيدة العصمة :

من عادة الأديان التي تعتمد على التأويل الفاسد أن تعتمد طريقة الاعتقاد قبل الاستدلال على العقيدة بينما العكس هو الصحيح ، لهذا عندما التزمت الشيعة الإمامية بعقيدة عصمة الأئمة المطلقة اصطدمت بنصوص محكمة في القرآن الكريم تنفي هذه العصمة في سير الأنبياء ، فكان عليها أمران ، إما أن تترك اعتقادهم بالعصمة المطلقة للأئمة، أو تكتب مئات الكتب لترسخها في عقول الشيعة، مع ضرورة حث الشيعة لإهمال القرآن الكريم بتهمة التحريف وتركيزهم على كتب الزيارات والأدعية والصلوات الخاصة بأسماء الأئمة جيل بعد جيل ، وقد اختاروا الثاني وهذا أول خرق لنسيج واهي نسجوه بأيديهم . إن العصمة التي وضحها الله تعالى في كتابه هي العصمة الكاملة في التبليغ وامتناع ارتكاب الكبائر والخسة والدناءة ونقصان الشرف وغيرها بمقتضى التكوين التي تجعل النفور من كل ما يتعارض مع صفات الصفوة الصالحة للنبوة ، أما النسيان والخطأ والسهو فهي أمور واردة تابعة للطبيعة البشرية لهم ـ عليهم السلام ـ لا تخدش في مهمة التبليغ بل كانت السبب في توجيه الأمم وتقويم العبادات ، وهذه حكمة مقصودة من الله جل وعلا . هذا الشكل من العصمة ناقضته كتب الإمامية جميعها ، فرفضوا امكانية السهو والنسيان والخطأ والذنوب الصغيرة عند الأنبياء ، بحجة أنه إذا تطرق إمكانية ذلك في أذهان الناس فتتولد لديهم فكرة الخطأ في التبليغ، ولعمري كيف استدلوا بأداة شرط غير جازمة وهم يبحثون عن الجزم في حدوثها ؟ . إن هذه الحجة باطلة لعدم إثبات وجود الشك في عصمة الأنبياء لدى من آمنوا بهم . عمد علماء الإمامية المتأخرين إلى الرجوع لكتب متقدميهم ، وصاروا يضعون التبريرات وفق علم الكلام والتفسير الباطن للآيات حتى يسلم لهم بقاء الخرق الذي سببه متقدميهم في الدين فخرقوا خرقة أكبر من الأولى .

يقول جعفر السبحاتي :
فالنبي المعصوم قادر على اقتراف المعاصي وارتكاب الخطايا، حسب ما أُعطي من القدرة والحرية، غير أنّه لأجل حصوله على الدرجة العليا من التقوى، واكتساب العلم القطعي بآثار المآثم والمعاصي، واستشعاره بعظمة الخالق، يتجنب عن اقترافها واكتسابها ولا يكون مصدراً لها مع قدرته واقتداره عليها. أ هـ
وهنا اعترف بإمكانية اقتراف المعصية من حيث الطبيعة البشرية، أي أنه أقر بنقض مبدأ العصمة اللاهوتية المتعارفة عندهم ، والسبب في هذا سير الأنبياء في القرآن الكريم ، ومنها ما جرى ليوسف عليه السلام وطلبه العصمة من الله . رجع السبحاتي خطوات إلى الوراء بعد أن تقدم خطوة، فقد تجرأ على منح نفسه صلاحية الصفح عن الأنبياء بكل بساطة مما يدل على سوء أدب مع الأنبياء . يقول :
(وفي هذا المجال وإن كان ربما يوجد نقول شاذة في عصمة الأنبياء بالنسبة إلى المعاصي الصغيرة، أو عصمتهم قبل البعثة، لكن نضرب عنها صفحاً ونستنطق الفعل والقرآن في هذا المجال .) أ هـ
يقول نستنطق، والله يقول سأستنطق جلودكم يوم الحساب : (وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )فصلت 21

ثم جاء بأمثلة من القرآن لا علاقة لها بالمعاصي الصغيرة ، وفسر الآية التالية بغير معناها الظاهر بشكل عجيب وغفل عن الفعل (استيأس )  :
( حَتّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدَكُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَومِ الْمُجْرِمينَ ) ، يقول : وإن شئت تفسير الآية فعليك بإظهار مراجع الضمائر بأن تقول: لما أخّرنا العقاب عن الأُمم السالفة ظن الرسل انّ الرسل قد كُذِبَ الرسل في ما وُعدوا به من النصر للمؤمنين والهلاك للكافرين. وعلى هذا فكل جواب من القائلين بعصمة الرسل على خلاف هذا الظاهر يكون غير متين، بل يجب أن يكون الجواب منطبقاً على هذا الظاهر.

والآية : ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ البَأْساءُ وَالضَّرّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ ) البقرة: 214.  ، فالمراد من الرسول هو غير النبي الأكرم من الرسل السابقين، هذا ما وصلنا إليه في تفسير الآية، ولعلّ القارئ يجد تفسيراً أوقع في النفس مما ذكرناه. أ هــ .

 وأقول من هو المقصود غير النبي يا ترى !

3 ـ
 نقض العصمة بدل إثباتها :

اعترف العالم جعفر السبحاتي بأن المحققون لجأوا إلى إعادة النظر في تعريف العصمة بمفهومها الاصطلاحي اللاهوتي المعروف والغرض حتى تؤيد بعضها الآخر .
في شرح معنى العصمة قال السبحاتي : لا شكّ انّ الإنسان بالذات غير مصون عن الخطأ والنسيان، والانحراف والعصيان ولذلك يصفه سبحانه بقوله: (انّ الإنسان لفي خسر) فلو بلغ الإنسان إلى مرحلة لا يعصي ولا يُخطِئ ولا يَنْسى فهو لأجل عامل خارجي عن ذاته يبلغ به إلى تلك الدرجة التي يعبّر عنها بالعصمة، ولذلك عاد المحقّقون إلى تعريف العصمة بتعاريف يؤيد بعضها بعضاً. أ هـ

 أقول إعادة النظر تعني خطأ ما تناقلوه عن معنى العصمة المطلقة لا غير ، وهذا بالطبع نتيجة التفكير المنطقي في ما توارثوه جيل بعد جيل حتى دفعهم ليعلنوا بصوت مسموع عن تساؤلاتهم وتشكيكهم بمعنى العصمة بمفهومهم ، ولكن لم يستفادوا من منطق العقل فراحوا يبحثون عن مخرج يخادعون الله ورسوله وما يخادعون إلا أنفسهم . لنكمل وسنرى كيف خرقوا طبيعة الخلق وخرقوا المنطق في الاستدلال وناقضوا حتى معنى العصمة التي تشبعت بها عقول عوام الشيعة مضطرين حتى تتوافق مع نصوص القرآن .

يقول : لو كانت العصمة موهبة من اللّه مفاضة منه سبحانه إلى رسله وأوصيائهم لم تعد عندئذ كمالاً ومفتخرة للمعصوم حتى يستحق بها التحميد، فإنّ الكمال الخارج عن الاختيار كصفاء اللؤلؤ لا يستحق التحميد، فإنّ الحمد إنّما يصحّ مقابل الفعل الاختياري، وإليك الاجابة .

العصمة ، موهبة إلهية أو أمر اكتسابي :
يقول السبحاتي : فالظاهر من كلمات المتكلّمين انّها موهبة من مواهب اللّه سبحانه يتفضل بها على من يشاء من عباده بعد وجود أرضيات صالحة وقابليات مصحّحة لإفاضتها عليهم ، تلك القابليات على قسمين: قسم خارج عن اختيار المعصوم، وقسم واقع في إرادته واختياره، امّا القسم الأوّل فيتلخص في عامل الوراثة والتربية. هناك عامل ثالث لهذه الإفاضة، وهو داخل في إطار الاختيار وحرّية الإنسان بخلاف العاملين السابقين وهو: إنّ حياة الأنبياء من لدن ولادتهم إلى زمان بعثتهم، مشحونة بالمجاهدات الفردية، والاجتماعية، وإن شئت قلت: إنّ اللّه سبحانه وقف على ضمائرهم ونيّاتهم ومستقبل أمرهم، ومصير حالهم وعلم أنّهم ذوات مقدسة، لو أُفيضت إليهم تلك الموهبة، لاستعانوا بها في طريق الطاعة وترك المعصية بحرية واختيار، وهذا العلم كاف لتصحيح إفاضة تلك الموهبة عليهم بخلاف من يُعلَم من حاله خلافُ ذلك. أ هـ

يشرح هذه المسألة كما هو واضح بخلاف المنطق وهذا أمر لا بد منه، فقد لجأ إلى تعطيل المنطق حفاظاً على أحد أسس دين التشيع وهو عصمة الأئمة لأن عند هدمها لا يبقى ما يبنون عليه مستحقات الولاية والإمامة ، ولا يبقى دعوى عند الشيعة بأنهم يأخذون دينهم من معصومين لا من بشر عاديين يصيبون ويخطأون ، وإلا ما الفرق بيننا وبينهم حين نقلنا الدين عن الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ رغم ذلك فكل مروياتهم تعتمد في سندها على غير المعصومين وهذا تناقض آخر ليس هنا محل بحثه، ولكن أشرت إليه من باب الشيء بالشيء يذكر.

لتوضيح التناقض غير المنطقي سأتناوله من منظورين ، المنظور الأول : طبيعة الخلق ، والمنظور الثاني : الفيض الإلهي

المنظور الأول : عن طبيعة خلق الأئمة ، فمعلوم ما اتفق عليه علماء الإمامية بأنهم خلقوا من نور الله قبل الخلق في عالم الذر *، ونسبوا لهم الكمال وصفات الله ــ سبحانه وتعالى عما يصفون ــ وقد عبر عنه السبحاتي بلفظ (كمال نفساني له أثره الخاص) ، وكون العامل الوراثي سبب العصمة، فهو ما عناه (الخارج عن اختيار المعصوم) ـ وهذا إن سلمنا له جدلاً ــ فلا يكون إلا بإرادة الله ومشيئته وبإحكام صنعته لا بجهل منه سبحانه بكيفيتها بعد الصيرورة، فلا يحتاج لمراقبة تصرفات الأئمة ليتبعه أمر بالفيض ، لأن في أصل خلقتهم إحكام نوراني متوارث يمنع العصيان . فكيف يجوز أن يبحث علماءهم بجواز ارتكاب المعصية من قبل المعصوم ومسألة اختياره ؟! يقول الشريف المرتضى بنص الكتاب أعلاه في مسألة النقض ذاته : (وعلى كل تقدير فالإنسان المعصوم مختار في فعله، قادر على كلا طرفي القضية من الفعل والترك ).


المنظور الثاني :عن الفيض الإلهي، فقد فرض السبحاتي أن العصمة تواجدت بعد الخلق وليس في حال الخلق وأنها لم تكسب صفة التواجد والإفاضة إلا بعد اطلاع الله على حياتهم ونياتهم ، وأن ترك المعصية كانت بحرية واختيار منهم، واستعمل أداة الشرط (لو) في قوله لو أفيضت لاستعانوا بها ، أي يقصد السبحاتي لو لم تحصل إفاضتها من الله لما استعانوا بها في حياتهم ، وأقول ،هذا لا خلاف عليه بالنسبة للأنبياء كما حصل مع النبي يوسف عليه السلام واستعصامه من غواية أمرأة العزيز، ولكن لا تصح عند الأئمة لأنه يناقض مروياتهم التي تقول أن الإمام يولد وله صفات الإمامة والعصمة لازمة لها ، فالسبحاتي نسف العصمة من حيث أراد إثباتها ونسف عقائد متواترة في كتبهم ، تماماً كما ناقض علماءهم إمامة الأئمة وفق آية إمامة إبراهيم عليه السلام التي جاءت بنص محكم بأن لطف الإمامة كما يصفوها جاء بعد الابتلاء لا قبله ، بينما يفترض أنهم ولدوا بها ومن جهة أخرى لم يعلم في سيرتهم رضي الله عنهم أن هناك ابتلاء لهم قبل إطلاق صفة الإمامة عليهم .

4 ـ
رفض صريح القرآن والسيرة :

ما زالت اعتقادات فاسدة في كتب الإمامية تصطدم بالقرآن والحديث والسيرة والعقل ، منها قوله :
أـ : إنّ القرآن الكريم يصرح بأنّ الهدف من بعث الأنبياء هو تزكية نفوس الناس وتصفيتهم من الرذائل وغرس الفضائل فيها، قال سبحانه حاكياً عن لسان إبراهيم: ( رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ وَالحِكْمَةَ وَيُزَكّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) . أ هـ 

كيف أغفل معنى يتلوا عليهم آياتك وهي الآمرة بعادة الله العبادة الخالصة بالتوحيد وترك الشرك وإداء فروض الطاعة ؟ ( وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) الذاريات 56 . لو كان الهدف هو تزكية النفوس لاقتصرت الآية على جملة (يزكيهم) .
ب ـ  أما عن علم الغيب عند الأئمة وقد نسفها السبحاتي أيضاً بحكمة الله . يقول : إنّ هذا العلم أعني ملكة العصمة لا يغيِّر الطبيعة الإنسانية المختارة في أفعالها الإرادية، ولا يخرجها إلى ساحة الإجبار والاضطرار كيف؟ والعلم من مبادئ الاختيار، ومجرد قوة العلم لا يوجب إلاّ قوة الإرادة كطالب السلامة إذا أيقن بكون مائع ما، سماً قاتلاً من حينه فإنّه يمتنع باختياره من شربه قطعاً، وإنّما يضطر الفاعل ويجبر إذا أخرج المجبر أحد طرفي الفعل والترك من الإمكان إلى الامتناع. أ هـ
كيف فسروا موت الحسن بالسم وموت موسى الكاظم وموت موسى الرضا رضي الله عنهم ؟

ج ــ رفض السبحاتي أن يسهو النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة لأنه تعامل بالعقل المتبوع للعقيدة الإمامية المعاصرة لا للمنطق وحكمة الدعوة . فقد أعترف عالمهم الماماقاني بأنه شيء مستحدث ، يقول في كتابه" تنقيح المقال" ( 3/ 240):( أن نفي السهو عن الأئمة أصبح من ضرورات المذهب الشيعي ) .
أختلف علماءهم المتقدمين بأنهم كنوا يقولون بسهو النبي صلى الله عليه وسلم وينكرون من أنكرها ، يقول شيخهم ابن بابويه الملقب بالصدوق في "من لا يحضرة الفقيه"(1/234): (أن الغلاة والمفوضة لعنهم الله ينكرون سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم ) .
ترى كيف يتجاهلون أحكام الشك في الصلاة وسجدتي السهو وصلاة الاحتياط ومثبتة في كتبهم الفقهية ؟

د ـ تجاهل النصوص الصريحة بغفران الله للذنوب ، في السورة التي أسمها (غافر) قال تعالى 

( فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَٱسْتَغْفِـرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ ) غافر 55
( فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ) محمد 19
(   لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً ) الفتح 2

بعد كل هذا أضع أقوى ما وجدته في كتابه بعد نقضه للعصمة المطلقة
4 ـ

السبحاتي ينسب إمكانية العصمة المطلقة للبشر العاديين !

يقول في تعريف العصمة وحقيقتها :

العامل الذي يصدّ الإنسان عن اقتراف المعاصي بل عن ارتكاب الخطأ والنسيان أحد الأُمور الثلاثة التالية على وجه منع الخلو وليست بمانعة عن الجمع :
الدرجة القصوى من التقوى ــ نتيجة العلم القطعي بعواقب المعاصي ــ الاستشعار بعظمة الربّ وكماله وجماله
إنّ العصمة ملكة نفسانية راسخة في النفس لها آثار خاصة كسائر الملكات النفسانية من الشجاعة والعفة والسخاء، فإذا كان الإنسان شجاعاً وجسوراً، سخياً وباذلاً، وعفيفاً ونزيهاً، يطلب في حياته معالي الأُمور، ويتجنب عن سفاسفها فيطرد ما يخالفه من الآثار، كالخوف والجبن والبخل والإمساك، والقبح والسوء، ولا يرى في حياته أثراً منها. ومثله العصمة، فإذا بلغ الإنسان درجة قصوى من التقوى، وصارت تلك الحالة راسخة في نفسه، يصل الإنسان إلى حد لا يُرى في حياته أثر من العصيان والطغيان، والتمرّد والتجرّي، وتصير ساحته نقية عن المعصية.
العلم القطعي بعواقب المعاصي والآثام، يصدّ الإنسان عن اقترافها وارتكابها، والمراد من هذا العلم، هو بلوغ الإنسان من حيث الكمال درجة يلمس في هذه النشأة لوازم الأعمال وآثارها في النشأة الأُخرى وتبعاتها فيها، وهذا النوع من العلم القطعي يزيل الحجب بين الإنسان وآثار العمل، وكأنّه سبحانه يريد أمثال هذا العلم من قوله: ( كلاّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اليقينِ* لتروّنَ الجَحِيمَ ) .( [10]) ،  فإذا ملك الإنسان هذا النوع من العلم وانكشف له الواقع كشفاً قطعياً، فهو لا يحوم حول المعاصي بل لا يفكر حوله.
إذا عرف الإنسان خالقه كمال المعرفة الميسورة، وتعرَّف على معدن الكمال المطلق وجماله وجلاله، وجد في نفسه انجذاباً نحو الحق، وتعلّقاً خاصاً به بحيث لا يستبدل برضاه شيئاً، فهذا الكمال المطلق هو الذي إذا تعرّف عليه الإنسان العارف، يؤجج في نفسه نيران الشوق والمحبّة، ويدفعه إلى أن لا يبغي سواه، ولا يطلب سوى إطاعة أمره وامتثال نهيه. ويصبح كلّ ما يخالف أمره ورضاه منفوراً لديه، مقبوحاً في نظره، أشدّ القبح وعندئذ يصبح الإنسان مصوناً عن المخالفة، بعيداً عن المعصية بحيث لا يؤثر على رضاه شيئاً .
وأمّا أنّ الإنسان كيف يصل إلى هذا المقام؟ وما هو العامل الذي يُمكِّنُه من هذه الحالة؟ فهو بحث آخر سنرجع إليه في مستقبل الأبحاث. فإذا كانت العصمة من سنخ التقوى والدرجة العليا منها، يسهل لك تقسيمها إلى العصمة المطلقة والعصمة النسبية. فإنّ العصمة المطلقة وإن كانت تختص بطبقة خاصة من الناس لكن العصمة النسبيّة تعم كثيراً من الناس من غير فرق بين أولياء اللّه وغيرهم، لأنّ الإنسان الشريف الذي لا يقل وجوده في أوساطنا، وإن كان يقترف بعض المعاصي لكنه يجتنب عن بعضها اجتناباً تاماً بحيث يتجنب عن التفكير فيها فضلاً عن الإتيان بها. وعلى الجملة: إذا كانت حوافز الطغيان والعصيان والبواعث على المخالفة محكومة عند الإنسان، منفورة لديه لأجل الحالة الراسخة، يصير الإنسان معصوماً تاماً منزهاً عن كل عيب وشين. أ هــ

بعد أن أسقط السبحاتي عصمة الأئمة جازها لغيرهم، ولا شك يقصد علماء الإمامية وهو منهم بسبب المكاشفة والعرفانية ، وننتظر المرحلة التالية بعد العصمة .

ــــــــــــــــــــ

* أحمد بن محمد، عن محمد بن الحسن، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن محمد بن شعيب، عن عمران بن إسحاق الزعفراني، عن محمد بن مروان، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سمعته يقول: إن الله خلقنا من نور عظمته، ثم صور خلقنا من طينة مخزونة مكنونة من تحت العرش، فأسكن ذلك النور فيه، فكنا نحن خلقا وبشرا نورانيين لم يجعل لاحد في مثل الذي خلقنا منه نصيبا، وخلق أرواح شيعتنا من طينتنا و أبدانهم من طينة مخزونة مكنونة أسفل من ذلك الطينة ولم يجعل الله لاحد في مثل الذي خلقهم منه نصيبا إلا للانبياء، ولذلك صرنا نحن وهم: الناس، وصار سائر الناس همج، للنار وإلى النار
الكافي / باب خلق أبدان الائمة وارواحهم وقلوبهم عليهم السلام

ـــــــــــ
بقلم / آملة البغدادية 19/4/2012

فكرة الشورى وتطبيقها قبل الإسلام وبعده

فكرة الشورى وتطبيقها قبل الإسلام وبعده


مقدمة
من الأمور الأساسية التي شغلت العباد على مر الدهور هي مسألة الحكم، والذي يهمنا هنا هو الاختلاف الحاصل بين السنة والشيعة حول المسألة، فقد اختلفوا في صحة الطريقة المتبعة لاختيار الحاكم منذ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وإلى يومنا هذا، فالسنة تقول بمبدأ الشورى والشيعة تقول بمبدأ الوصية، ولا يخلوا كتاب من كتب الشيعة وخاصةً الإمامية منهم إلا وفيه مسألة اغتصاب الصحابة الحق في الخلافة من علي بن أبي طالب (رضي الله عنهم) في قضية الشورى أضع في بحثي هذا نقاط أساسية معتمدة على النقل والعقل الصحيحين لإثبات أن الشورى منهج عقلي وفطري أثبته الله في كتابه وسار عليه أنبياءه عليهم السلام ، ولن اتطرق إلى موضوع الشورى كمنهج أتبعه الخليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنهم) لأنه يُثبت بالمحصلة ولا نحتاج لتبرير ولا دفاع عن تهمة غير واقعية مرفوضة عقلاً ، والله المستعان وبسمه أبدأ ومنه الهدى .
كثيرة هي الكتب التي اختصت بالخلافة بالنص لا بالشورى، وهذا واحد من آلاف الكتب والبحوث أستشهد به كعينة، وهو ما كتبه الشيخ علي حسين الميلاني في كتابه (الشورى في الإمامة) الذي أثبت فيه قبل أن يشرع في كتابه وفي التمهيد له ذمهم لإمامهم المعصوم علي لتقديمه ثلاثة من الصحابة وكذلك أبنه الحسن بن علي في ترك الخلافة لمعاوية رضي الله عنهم ، وهو تقديم المفضول على الفاضل الذي استنكره الميلاني لما فيه تقبيح عقلي وفعلي  . يقول الميلاني : وكما أنّ النبوّة والرسالة تثبت للنبي والرسول من قبل الله سبحانه وتعالى، كذلك الامامة، فإنّها خلافة ونيابة عن النبوّة والرسالة، فنحن إذن بحاجة إلى جعل إلهي، إلى تعريف من الله سبحانه وتعالى، إلى تعيين من قبله بالنصّ، ليكون الشخص نبيّاً ورسولاً، أو ليكون إماماً بعد الرسول، والنص إمّا من الكتاب وإمّا من السنّة القطعيّة، ولو رجعنا إلى العقل، فالعقل يعطينا الملاك، ويقبّح تقديم المفضول على الفاضل، وعن هذا الطريق أيضاً يستدلّ للامامة والولاية والخلافة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وثبت إلى الان أن لا طريق لتعيين الامام إلاّ النص. أ هـ

الشورى نظرية واقعية :
يقول الميلاني في مقدمة كتابه عن غرضه : وموضوع الشورى موضوع بحثنا في هذه الليلة، لنرى ما إذا كان لهذه النظرية مستند ودليل من الكتاب والسنّة وسيرة رسول الله، أوأنّها نظرية لا سند لها من ذلك. وأمّا الشورى والمشورة والتشاور في الاُمور، وفي القضايا الخاصّة أو العامّة، والاُمور الاجتماعيّة، وفي حلّ المشاكل، فذلك أمر مستحسن مندوب شرعاً وعقلاً وعقلاءاً، لانّ من شاور الناس فقد شاركهم في عقولهم، والانسان إذا احتاج إلى رأي أحد احتاج إلى مشورة من عاقل، ففي القضايا الشخصية لابدّ وأن يبادر ويشاور، وهذه سيرة جميع العقلاء، وكلامنا في الشورى في الامامة، أو فقل الامامة في الشورى . أ هـ
الميلاني هنا وهو لا يدري أثبت حاجة المشورة في أمور شخصية لغرض الصواب في القرار وهي في رتبة أدنى من إمامة المسلمين العامة الدينية والدنيوية كحكم ، والعقل يفرض المشورة فيها قطعاً لغاية الحكمة وصواب القرار من باب أولى فما الذي خص الأمور الاجتماعية والشخصية في المشورة دوناً عن الباقي ؟ ثم أنه أثبت العقل للصحابة رضي الله عنهم بمشاورة النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لهم وهذه هي حكمة الله تعالى له الحمد .
هل عرفت العرب معنى الشورى قبل الإسلام ؟
أراد الميلاني كغيره أن يحور الموضوع إلى قضية متى طرحت فكرة الشورى كأنها فكرة ولفظ لم تعرفه العرب ولم تفهمه قريش والأنصار وسائر قبائل العرب في نجد ، وهذا ما لم ولن يفلح فيه أحد منهم مهما بلغ من بلاغة والمقدرة على الخداع . يقول في كتابه في الفصل / متى طرحت فكرة الشورى : أقرأ لكم النص في صحيح البخاري، لتروا كيف طرحت فكرة الشورى من قبل عمر في سنة 23 هـ. أ هـ
أقول : الدليل على أن العرب فهمت معنى الشورى واستخدمت تطبيقه قبل الإسلام مثبت في كتب التاريخ والسيرة النبوية ، فقد ذُكرت قصة بناء دار الندوة التي بناها جد النبي صلى الله عليه وسلم قصي وهو من أكابر قريش وزعماءها . من كتاب البداية والنهاية لأبن كثير ، قال : قال ابن إسحاق: فولى قصي البيت وأمر مكة، وجمع قومه من منازلهم إلى مكة، وتملك على قومه وأهل مكة فملكوه، إلا أنه أقر العرب على ما كانوا عليه، لانه يرى ذلك دينا في نفسه لا ينبغي تغييره فأقر آل صفوان وعدوان والنسأة ومرة بن عوف على ما كانوا عليه، حتى جاء الاسلام فهدم الله به ذلك كله، قال [ ابن إسحاق ] فكان قصي أول بني كعب أصاب ملكا أطاع له به قومه وكانت إليه الحجابة والسقاية والرفادة والندوة واللواء فحاز شرف مكة كله . فكانت لقصي بن كلاب جميع الرئاسة من حجابة البيت وسدانته واللواء وبنى دارا لازاحة الظلمات وفصل الخصومات سماها دار الندوة، إذا أعضلت قضية اجتمع الرؤساء من كل قبيلة فاشتوروا فيها وفصلوها ولا يعقد عقد لواء ولا عقد نكاح إلا بها ولا تبلغ جارية أن تدرع فتدرع إلا بها وكان باب هذه الدار إلى المسجد الحرام. ثم صارت هذه الدار فيما بعد إلى حكيم بن حزام  (في الحاشية ) الندوة: دار اتخذها قصي للاجتماع بأهل المشورة والرأي . أ هـ .
إن أمر اجتماع الناس في مكان يتدارسون فيه أمرهم ويختارون ما يروه مناسباً لهم هو شيء فطري طبيعي راجع لقدرة البشر على تنظيم أمورهم بما هيأه الله تعالى بالقدرات العقلية لهم وطبيعة العيش في جماعات تستدعي التنظيم والرياسة طريقة لها . لو تقدمنا في التاريخ إلى يوم السقيفة لرأينا أن أمر الاجتماع هذا كان يدور في اختيار الحاكم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان قول الأنصار: ( منـّا أمير ومنكم أمير )، يعني في ذاته شرعية الاختيار من قبل الناس لم يستغربوه وإنما كان الاختلاف على الشخص المعين ليكون حاكم أو خليفة ، ولم يقل أحد أن هذا شيء مناف للمألوف والعقل ما سبقكم أحد بها من العالمين كفعل قوم لوط الذي كان مستنكر من الله ورسوله فكان عقابه أن قلب عليهم مساكنهم عاليها سافلها ولم تبق منهم ذارية .


الشورى في القرآن :

استند المهاجرون والنصارى في قضية الشورى في الحكم على قول الله تعالى (( وامرهم شورى بينهم)) في الآية (وَٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) الشورى 38 ،  والأمر هو ما يدل عليه القرآن الكريم بأنه تصريف الأمور من بين معاني كثيرة ، ودليله أولي الأمر هم الحكام ورؤساء القوم . يقول الله تعالى (  يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) النساء 59

معنى الحاكمية في القرآن :

(شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه * الله يجتبى إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب) [ الشورى: 13 ]
إقامة الدين هي الإمامة الكبرى والصغرى ومعناها الحاكمية والخلافة .
وقال تعالى: {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر}، وهذا دليل على أن التمكين في الأرض هو الحكم الذي تكون  فيه الصلاة من أهم الأمور وأولها لأنها إمامة صغرى تقع ضمن الإمامة الكبرى التي هي الخلافة . لذا فهم المسلمون أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم للصديق بإمامتهم في الصلاة بدلاً عنه حين مرضه عليه الصلاة والسلام هو تعيين غير صريح ورضا منه بذلك ، استدل بذلك الصحابة وقالوا "رضيه رسول الله لديننا، أفلا نرضاه لدنيانا".
يعترض الشيعة على هذا التلازم بأنه لا يصح القياس لأن أقرأ القوم لا يعني أكثرهم صلاح للحكم ، والرد عليه أن هذا الصديق لم يكن شخص عادي كعامة المسلمين بل هو  الأقرب للنبي صلى الله عليه وسلم في مواقف تتطلب القيادة كما حدث في بقاءه في العريش أول مركز للقيادة في الحروب ولا أكثر من إدارة القتال دليل على صلاحية المرافق والمستشار للقائد السابق عليه الصلاة والسلام .

الحكومة غير الخلافة ! :
يقول الميلاني وهو يتحدث بكلام جميع الشيعة : ولو راجعتم الايات الكريمة الواردة في نصب الانبياء، غالباً ما تكون بعنوان «الجعل» وما يشابه هذه الكلمة، لاحظوا قوله تعالى: ( إنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً )سورة البقرة: 124.)(2) هذا في خطاب لابراهيم (عليه السلام)، وفي خطاب لداود: (إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الاَْرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ) . سورة ص: 26.  ومن هذه الاية يستفاد أنّ الحكم بين الناس حكم من أحكام النبوّة والرسالة (إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الاَْرْضِ فَاحْكُمْ) الحكم من أحكام الخلافة، وليست الخلافة هي الحكومة، وقد أشرت إلى هذا من قبل في بعض البحوث، الخلافة ليست الحكومة، وإنّما الحكومة شأن من شؤون الخليفة، تثبت الخلافة لشخص ولا يتمكّن من الحكومة على الناس ولا يكون مبسوط اليد ولا يكون نافذ الكلمة، إلاّ أنّ خلافته محفوظة. أهـ
نستخلص من عقيدتهم في فهم الآيتين أمرين :
1 ـ  الكذب على الله تعالى : إن الله لا يشرع أمر بالتخصيص ويقصده عاماً بلفظه الخاص في القرآن ولكن ثبت أن الله يشرع بلفظ العموم حين يخص المفرد بتخصيص السبب في نزول الآية حتى لا تتعطل الأحكام بموت المخصص ، ولهذا كانت القاعدة الشرعية ( العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ) .
2 ـ طعن في الأنبياء جميعاً : فكلام الميلاني وغيره غير منطقي بالمرة فلم يثبت للأنبياء أنهم حكموا قومهم، بل ثبت أن أغلبهم هاجروا وطنهم أو اعتزلوا الكفار ، فلا النبي إبراهيم ولا إسماعيل حكموا قومهم ، إنما كانت للنبي صلى الله عليه وسلم بعد قيامه دولة المسلمين ، وثبتت قبل هذا لآدم وسليمان وداوود عليهم السلام ، فإن أراد ملازمة الحاكمية للنبوة والرسالة  فعليه أن يقر بنقص الأنبياء في القيام بالتكليف الإلهي على مراد الله ، وما أجرأهم وأكثر طعنهم !

اختيار الإمام بالشورى :
يقول الميلاني في نفس الكتاب : ولم نجد، لا في الكتاب ولا في سنّة رسول الله دليلاً ولا تلميحاً وإشارةً إلى كون الامامة بيد الناس، بأن ينصبوا أحداً عن طريق الشورى مثلاً، أو عن طريق البيعة والاختيار، ولا يوجد أيّ دليل على ثبوت الامامة بغير النصّ. أهـ
هذا نص من كتب الشيعة يثبت أن المعصوم يعترف بالمشورة إنما الذي يحرم هو الاختلاف والفرقة بين المسلمين بتولي المنصب بالغصب لا بالإجماع . عن الامام الرضا عن أبيه الكاظم عن ابيه جعفر الصادق عن ابيه محمد الباقر عن علي بن الحسين عن الحسين بن علي عن ابيه عن جده رسول الله (ص) والذي يقول فيه من جاءكم يريد ان يفرق الجماعة ويغصب الامة امرها ويتولى من غير مشورة فاقتلوه ، فان الله عزوجل قد اذن ذلك .** .أقول ما ردك يا ضال ؟



مبدأ الشورى في سيرة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم :

استشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في كثير من الأمور وأهمها في الغزوات والتي هي أكبر قضايا الحكم وبها فتحت البلدان، وأدناه أمثلة على مبدأ الشورى :

1 ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشار الصحابة لما يهمهم من الصلاة، فذكروا البوق فكرهه من أجل اليهود، ثم ذكروا الناقوس فكرهه من أجل النصارى. فأري النداء تلك الليلة رجل من الانصار يقال له عبد الله بن زيد وعمر بن الخطاب، فطرق الانصاري رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأذن به.

2 ـ عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سار إلى بدر استشار المسلمين فأشار عليه عمر، ثم أستشارهم فقالت الانصار: يا معشر الانصار إياكم يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال ابن إسحاق: فحدثت عن رجال من بني سلمة أنهم ذكروا أن الحباب بن منذر بن الجموح.
قال: يا رسول الله أرأيت هذا المنزل أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ قال بل هو الرأي والحرب والمكيدة. قال يا رسول الله فإن هذا ليس بمنزل فأمض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم، فننزله، ثم نغور (1) ما وراءه من القلب، ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد أشرت بالرأي ".

3 ـ استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس في الاسارى يوم بدر فقال: " إن الله قد أمكنكم منهم " قال فقام عمر فقال يا رسول الله اضرب أعناقهم، قال فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عاد النبي فقال للناس مثل ذلك، فقام أبو بكر الصديق فقال يا رسول نرى أن تعفو عنهم وأن نقبل منهم الفداء. قال فذهب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان فيه من الغم فعفا عنهم وقبل منهم الفداء.

4 ــ استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم نوفل بن معاوية الدئلي لما مضت خمس عشرة من حصار الطائف فقال " يا نوفل ما ترى في المقام عليهم ؟ "  قال: يا رسول الله ثعلب في جحر، إن أقمت عليه أخذته، وإن تركته لم يضرك.

5 ـ  تذكر الشيعة أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه تكره أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لأنه أشار على النبي صلى الله عليه وسلم بتطليقها عندما طلب المشورة بشأنها. من (بحار الأنوار للمجلسي) : قلت: سبحان الله أو قد تحدث الناس بهذا ؟ قالت: نعم فمكثت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي  دمع، ولا أكتحل بنوم حتى أصبحت أبكي، ودعا رسول الله صلى الله عليه وآله اسامة بن زيد وعلي بن أبي طالب عليه السلام حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله .
وهذا دليل على المشورة كان يعمل بها صلى الله عليه وسلم في حادثة الإفك إلا أن لا كراهية كما يدعون .
6ــ أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمشورة أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها حين رفض المسلمون العودة من مكة بدون أن يدخلوها في قصة صلح الحديبية ، فقالت: يا نبي الله أتحب ذلك ؟ أخرج لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك. فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك .

الشورى مبدأ أقره علي رضي الله عنه :

يقول علي : إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضى، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى) .نهج البلاغة" ص366، 367
قال الميلاني في فصل (تطبيق عمر لفكرة الشورى) يشرح الحديث، والنص التالي آخر كلامه في الكتاب:
كما أنّ معاوية طالب بالشورى عند خلافة علي ومبايعة المهاجرين والانصار معه، طالب بالشورى، لماذا ؟ لحذف علي، أراد أن يدخل من نفس الباب الذي دخل منه عمر، ولكنّ عليّاً كتب إليه: إنّما الشورى للمهاجرين والانصار، وأنت لست من الانصار وهذا واضح، ولست من المهاجرين، لانّ الهجرة لمن هاجر قبل الفتح، ومعاوية من الطلقاء ولا هجرة بعد الفتح، فأراد معاوية أن يستفيد من نفس الاُسلوب لحذف علي، ولكنّه ما أفلح. أ هـ . أثبت أن مبدأ الشورى معترف به عند علي ولم ينكره وقد أراد نفيه ! ولم تنفعه حجة أن معاوية ليس من الأنصار وليس من المهاجرين فهو لا يمانع أن يكذب على الله تعالى في كتابه بأن هناك هجرة بعد الفتح : ( وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَـٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَاتَلُواْ وَكُلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) الحديد 10
يقول الميلاني وهو الكذوب كغيره : وكلّ من يطرح فكرة الشورى، يريد حذف النص، كلّ من يطرح الشورى في كتاب، في بحث، في مقالة، في خطابة، يريد حذف علي، لا أكثر ولا أقل. وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.
أقول لعمري أين هو النص هل يبنى الدين على الظن والاحتمال ؟  ( أَلاۤ إِنَّ لِلَّهِ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰت وَمَنْ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُرَكَآءَ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ) يونس 66 .
إن مجرد اعتراض الشيعة وادعاءهم أن عمر منع كتابة الوصية هو دليل على أن لا وجود نص لإمامة علي قبلها وإلا لما احتاج أن يكتبها النبي صلى الله عليه وسلم آخر حياته بزعمهم، ولو كانت نص بالوصية وأحقية إلهية لما تركها بعد تعافيه عليه الصلاة والسلام من يوم الخميس إلى الأثنين يوم وفاته ، فأي بهتان يبنون عليه دين وفرق وأحقاد وثارات وعدم رضا لولاة أمورهم بسببها ؟
من الطريف أن نذكر أن الشيعة أكثر الأقوام تناقضاً فلا يوافق أقوالهم أعمالهم المثالية منها ، فعندهم مجالس للشورى في العراق وإيران وليراجعوا الدستور كيف أن تمسكهم بالانتخابات هو بحد ذاته نوع من أنواع الشورى التي يعين فيها الناس الحاكم ، وهناك مطلب الاستفتاء الذي تكرر من رجال الحوزة والمراجع في أكثر من أزمة سياسية ، وشر البلية ما يضحك .
‏قال المرجع آية الله محمد حسين فضل الله في أمر الوصية بمنطق وتجرد عقلي رفضه مراجع الإمامية :
النبي (ص) لم يكتب كتاباً بتنصيب علي (ع) كان يريد للتجربة أن تتحرك.

يتبين بحمد الله وعونه أن كلام الكليني ومن بعده في أن الإمامة بالنص لا بالشورى باطل وأن الحاكمية لا تتم بمبدأ الشورى كلام أظلم من سابقه ولا أساس له من الصحة، إلا في عقول رضيت بمخالفة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم . من المعلوم أن منهج الشيعة في أمور الدين يتبع تقديم العقل في الاعتقاد على النص ، ولهذا يسقط علماءهم آيات القرآن والحديث والسيرة والتاريخ ليوافق ما تمليه عليه عقولهم ضاربين بأهواءهم المنطق الذي يحتجون به ، وإن عجبنا منهم فعجبنا أكبر من الذين يتبعونهم من العوام لأننا نعلم غرضهم وهو السلطة والتحكم بالمال بالنياية عن الإمام المهدي الغائب، لكن العوام ليست لهم مصلحة سوى أنهم متعلقين بنظرية جميلة لا واقع لها في التطبيق كسراب يحسبه الظمآن ماءاً، حتى أن رفع يده ليرتشف منها لم يكد يصل منه شيء سوى العناء.
نسأل الله لهم الهدى ولنا ولهم بعد هذا الثبات .
ــــــــــ

* الشيخ المفيد ، النكت الإعتقادية - - ص 39
** الصدوق ، عيون أخبار الرضا