الأحد، 29 أبريل 2012

فكرة الشورى وتطبيقها قبل الإسلام وبعده

فكرة الشورى وتطبيقها قبل الإسلام وبعده


مقدمة
من الأمور الأساسية التي شغلت العباد على مر الدهور هي مسألة الحكم، والذي يهمنا هنا هو الاختلاف الحاصل بين السنة والشيعة حول المسألة، فقد اختلفوا في صحة الطريقة المتبعة لاختيار الحاكم منذ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وإلى يومنا هذا، فالسنة تقول بمبدأ الشورى والشيعة تقول بمبدأ الوصية، ولا يخلوا كتاب من كتب الشيعة وخاصةً الإمامية منهم إلا وفيه مسألة اغتصاب الصحابة الحق في الخلافة من علي بن أبي طالب (رضي الله عنهم) في قضية الشورى أضع في بحثي هذا نقاط أساسية معتمدة على النقل والعقل الصحيحين لإثبات أن الشورى منهج عقلي وفطري أثبته الله في كتابه وسار عليه أنبياءه عليهم السلام ، ولن اتطرق إلى موضوع الشورى كمنهج أتبعه الخليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنهم) لأنه يُثبت بالمحصلة ولا نحتاج لتبرير ولا دفاع عن تهمة غير واقعية مرفوضة عقلاً ، والله المستعان وبسمه أبدأ ومنه الهدى .
كثيرة هي الكتب التي اختصت بالخلافة بالنص لا بالشورى، وهذا واحد من آلاف الكتب والبحوث أستشهد به كعينة، وهو ما كتبه الشيخ علي حسين الميلاني في كتابه (الشورى في الإمامة) الذي أثبت فيه قبل أن يشرع في كتابه وفي التمهيد له ذمهم لإمامهم المعصوم علي لتقديمه ثلاثة من الصحابة وكذلك أبنه الحسن بن علي في ترك الخلافة لمعاوية رضي الله عنهم ، وهو تقديم المفضول على الفاضل الذي استنكره الميلاني لما فيه تقبيح عقلي وفعلي  . يقول الميلاني : وكما أنّ النبوّة والرسالة تثبت للنبي والرسول من قبل الله سبحانه وتعالى، كذلك الامامة، فإنّها خلافة ونيابة عن النبوّة والرسالة، فنحن إذن بحاجة إلى جعل إلهي، إلى تعريف من الله سبحانه وتعالى، إلى تعيين من قبله بالنصّ، ليكون الشخص نبيّاً ورسولاً، أو ليكون إماماً بعد الرسول، والنص إمّا من الكتاب وإمّا من السنّة القطعيّة، ولو رجعنا إلى العقل، فالعقل يعطينا الملاك، ويقبّح تقديم المفضول على الفاضل، وعن هذا الطريق أيضاً يستدلّ للامامة والولاية والخلافة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وثبت إلى الان أن لا طريق لتعيين الامام إلاّ النص. أ هـ

الشورى نظرية واقعية :
يقول الميلاني في مقدمة كتابه عن غرضه : وموضوع الشورى موضوع بحثنا في هذه الليلة، لنرى ما إذا كان لهذه النظرية مستند ودليل من الكتاب والسنّة وسيرة رسول الله، أوأنّها نظرية لا سند لها من ذلك. وأمّا الشورى والمشورة والتشاور في الاُمور، وفي القضايا الخاصّة أو العامّة، والاُمور الاجتماعيّة، وفي حلّ المشاكل، فذلك أمر مستحسن مندوب شرعاً وعقلاً وعقلاءاً، لانّ من شاور الناس فقد شاركهم في عقولهم، والانسان إذا احتاج إلى رأي أحد احتاج إلى مشورة من عاقل، ففي القضايا الشخصية لابدّ وأن يبادر ويشاور، وهذه سيرة جميع العقلاء، وكلامنا في الشورى في الامامة، أو فقل الامامة في الشورى . أ هـ
الميلاني هنا وهو لا يدري أثبت حاجة المشورة في أمور شخصية لغرض الصواب في القرار وهي في رتبة أدنى من إمامة المسلمين العامة الدينية والدنيوية كحكم ، والعقل يفرض المشورة فيها قطعاً لغاية الحكمة وصواب القرار من باب أولى فما الذي خص الأمور الاجتماعية والشخصية في المشورة دوناً عن الباقي ؟ ثم أنه أثبت العقل للصحابة رضي الله عنهم بمشاورة النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لهم وهذه هي حكمة الله تعالى له الحمد .
هل عرفت العرب معنى الشورى قبل الإسلام ؟
أراد الميلاني كغيره أن يحور الموضوع إلى قضية متى طرحت فكرة الشورى كأنها فكرة ولفظ لم تعرفه العرب ولم تفهمه قريش والأنصار وسائر قبائل العرب في نجد ، وهذا ما لم ولن يفلح فيه أحد منهم مهما بلغ من بلاغة والمقدرة على الخداع . يقول في كتابه في الفصل / متى طرحت فكرة الشورى : أقرأ لكم النص في صحيح البخاري، لتروا كيف طرحت فكرة الشورى من قبل عمر في سنة 23 هـ. أ هـ
أقول : الدليل على أن العرب فهمت معنى الشورى واستخدمت تطبيقه قبل الإسلام مثبت في كتب التاريخ والسيرة النبوية ، فقد ذُكرت قصة بناء دار الندوة التي بناها جد النبي صلى الله عليه وسلم قصي وهو من أكابر قريش وزعماءها . من كتاب البداية والنهاية لأبن كثير ، قال : قال ابن إسحاق: فولى قصي البيت وأمر مكة، وجمع قومه من منازلهم إلى مكة، وتملك على قومه وأهل مكة فملكوه، إلا أنه أقر العرب على ما كانوا عليه، لانه يرى ذلك دينا في نفسه لا ينبغي تغييره فأقر آل صفوان وعدوان والنسأة ومرة بن عوف على ما كانوا عليه، حتى جاء الاسلام فهدم الله به ذلك كله، قال [ ابن إسحاق ] فكان قصي أول بني كعب أصاب ملكا أطاع له به قومه وكانت إليه الحجابة والسقاية والرفادة والندوة واللواء فحاز شرف مكة كله . فكانت لقصي بن كلاب جميع الرئاسة من حجابة البيت وسدانته واللواء وبنى دارا لازاحة الظلمات وفصل الخصومات سماها دار الندوة، إذا أعضلت قضية اجتمع الرؤساء من كل قبيلة فاشتوروا فيها وفصلوها ولا يعقد عقد لواء ولا عقد نكاح إلا بها ولا تبلغ جارية أن تدرع فتدرع إلا بها وكان باب هذه الدار إلى المسجد الحرام. ثم صارت هذه الدار فيما بعد إلى حكيم بن حزام  (في الحاشية ) الندوة: دار اتخذها قصي للاجتماع بأهل المشورة والرأي . أ هـ .
إن أمر اجتماع الناس في مكان يتدارسون فيه أمرهم ويختارون ما يروه مناسباً لهم هو شيء فطري طبيعي راجع لقدرة البشر على تنظيم أمورهم بما هيأه الله تعالى بالقدرات العقلية لهم وطبيعة العيش في جماعات تستدعي التنظيم والرياسة طريقة لها . لو تقدمنا في التاريخ إلى يوم السقيفة لرأينا أن أمر الاجتماع هذا كان يدور في اختيار الحاكم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان قول الأنصار: ( منـّا أمير ومنكم أمير )، يعني في ذاته شرعية الاختيار من قبل الناس لم يستغربوه وإنما كان الاختلاف على الشخص المعين ليكون حاكم أو خليفة ، ولم يقل أحد أن هذا شيء مناف للمألوف والعقل ما سبقكم أحد بها من العالمين كفعل قوم لوط الذي كان مستنكر من الله ورسوله فكان عقابه أن قلب عليهم مساكنهم عاليها سافلها ولم تبق منهم ذارية .


الشورى في القرآن :

استند المهاجرون والنصارى في قضية الشورى في الحكم على قول الله تعالى (( وامرهم شورى بينهم)) في الآية (وَٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) الشورى 38 ،  والأمر هو ما يدل عليه القرآن الكريم بأنه تصريف الأمور من بين معاني كثيرة ، ودليله أولي الأمر هم الحكام ورؤساء القوم . يقول الله تعالى (  يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) النساء 59

معنى الحاكمية في القرآن :

(شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه * الله يجتبى إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب) [ الشورى: 13 ]
إقامة الدين هي الإمامة الكبرى والصغرى ومعناها الحاكمية والخلافة .
وقال تعالى: {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر}، وهذا دليل على أن التمكين في الأرض هو الحكم الذي تكون  فيه الصلاة من أهم الأمور وأولها لأنها إمامة صغرى تقع ضمن الإمامة الكبرى التي هي الخلافة . لذا فهم المسلمون أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم للصديق بإمامتهم في الصلاة بدلاً عنه حين مرضه عليه الصلاة والسلام هو تعيين غير صريح ورضا منه بذلك ، استدل بذلك الصحابة وقالوا "رضيه رسول الله لديننا، أفلا نرضاه لدنيانا".
يعترض الشيعة على هذا التلازم بأنه لا يصح القياس لأن أقرأ القوم لا يعني أكثرهم صلاح للحكم ، والرد عليه أن هذا الصديق لم يكن شخص عادي كعامة المسلمين بل هو  الأقرب للنبي صلى الله عليه وسلم في مواقف تتطلب القيادة كما حدث في بقاءه في العريش أول مركز للقيادة في الحروب ولا أكثر من إدارة القتال دليل على صلاحية المرافق والمستشار للقائد السابق عليه الصلاة والسلام .

الحكومة غير الخلافة ! :
يقول الميلاني وهو يتحدث بكلام جميع الشيعة : ولو راجعتم الايات الكريمة الواردة في نصب الانبياء، غالباً ما تكون بعنوان «الجعل» وما يشابه هذه الكلمة، لاحظوا قوله تعالى: ( إنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً )سورة البقرة: 124.)(2) هذا في خطاب لابراهيم (عليه السلام)، وفي خطاب لداود: (إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الاَْرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ) . سورة ص: 26.  ومن هذه الاية يستفاد أنّ الحكم بين الناس حكم من أحكام النبوّة والرسالة (إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الاَْرْضِ فَاحْكُمْ) الحكم من أحكام الخلافة، وليست الخلافة هي الحكومة، وقد أشرت إلى هذا من قبل في بعض البحوث، الخلافة ليست الحكومة، وإنّما الحكومة شأن من شؤون الخليفة، تثبت الخلافة لشخص ولا يتمكّن من الحكومة على الناس ولا يكون مبسوط اليد ولا يكون نافذ الكلمة، إلاّ أنّ خلافته محفوظة. أهـ
نستخلص من عقيدتهم في فهم الآيتين أمرين :
1 ـ  الكذب على الله تعالى : إن الله لا يشرع أمر بالتخصيص ويقصده عاماً بلفظه الخاص في القرآن ولكن ثبت أن الله يشرع بلفظ العموم حين يخص المفرد بتخصيص السبب في نزول الآية حتى لا تتعطل الأحكام بموت المخصص ، ولهذا كانت القاعدة الشرعية ( العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ) .
2 ـ طعن في الأنبياء جميعاً : فكلام الميلاني وغيره غير منطقي بالمرة فلم يثبت للأنبياء أنهم حكموا قومهم، بل ثبت أن أغلبهم هاجروا وطنهم أو اعتزلوا الكفار ، فلا النبي إبراهيم ولا إسماعيل حكموا قومهم ، إنما كانت للنبي صلى الله عليه وسلم بعد قيامه دولة المسلمين ، وثبتت قبل هذا لآدم وسليمان وداوود عليهم السلام ، فإن أراد ملازمة الحاكمية للنبوة والرسالة  فعليه أن يقر بنقص الأنبياء في القيام بالتكليف الإلهي على مراد الله ، وما أجرأهم وأكثر طعنهم !

اختيار الإمام بالشورى :
يقول الميلاني في نفس الكتاب : ولم نجد، لا في الكتاب ولا في سنّة رسول الله دليلاً ولا تلميحاً وإشارةً إلى كون الامامة بيد الناس، بأن ينصبوا أحداً عن طريق الشورى مثلاً، أو عن طريق البيعة والاختيار، ولا يوجد أيّ دليل على ثبوت الامامة بغير النصّ. أهـ
هذا نص من كتب الشيعة يثبت أن المعصوم يعترف بالمشورة إنما الذي يحرم هو الاختلاف والفرقة بين المسلمين بتولي المنصب بالغصب لا بالإجماع . عن الامام الرضا عن أبيه الكاظم عن ابيه جعفر الصادق عن ابيه محمد الباقر عن علي بن الحسين عن الحسين بن علي عن ابيه عن جده رسول الله (ص) والذي يقول فيه من جاءكم يريد ان يفرق الجماعة ويغصب الامة امرها ويتولى من غير مشورة فاقتلوه ، فان الله عزوجل قد اذن ذلك .** .أقول ما ردك يا ضال ؟



مبدأ الشورى في سيرة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم :

استشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في كثير من الأمور وأهمها في الغزوات والتي هي أكبر قضايا الحكم وبها فتحت البلدان، وأدناه أمثلة على مبدأ الشورى :

1 ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشار الصحابة لما يهمهم من الصلاة، فذكروا البوق فكرهه من أجل اليهود، ثم ذكروا الناقوس فكرهه من أجل النصارى. فأري النداء تلك الليلة رجل من الانصار يقال له عبد الله بن زيد وعمر بن الخطاب، فطرق الانصاري رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأذن به.

2 ـ عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سار إلى بدر استشار المسلمين فأشار عليه عمر، ثم أستشارهم فقالت الانصار: يا معشر الانصار إياكم يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال ابن إسحاق: فحدثت عن رجال من بني سلمة أنهم ذكروا أن الحباب بن منذر بن الجموح.
قال: يا رسول الله أرأيت هذا المنزل أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ قال بل هو الرأي والحرب والمكيدة. قال يا رسول الله فإن هذا ليس بمنزل فأمض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم، فننزله، ثم نغور (1) ما وراءه من القلب، ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد أشرت بالرأي ".

3 ـ استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس في الاسارى يوم بدر فقال: " إن الله قد أمكنكم منهم " قال فقام عمر فقال يا رسول الله اضرب أعناقهم، قال فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عاد النبي فقال للناس مثل ذلك، فقام أبو بكر الصديق فقال يا رسول نرى أن تعفو عنهم وأن نقبل منهم الفداء. قال فذهب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان فيه من الغم فعفا عنهم وقبل منهم الفداء.

4 ــ استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم نوفل بن معاوية الدئلي لما مضت خمس عشرة من حصار الطائف فقال " يا نوفل ما ترى في المقام عليهم ؟ "  قال: يا رسول الله ثعلب في جحر، إن أقمت عليه أخذته، وإن تركته لم يضرك.

5 ـ  تذكر الشيعة أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه تكره أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لأنه أشار على النبي صلى الله عليه وسلم بتطليقها عندما طلب المشورة بشأنها. من (بحار الأنوار للمجلسي) : قلت: سبحان الله أو قد تحدث الناس بهذا ؟ قالت: نعم فمكثت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي  دمع، ولا أكتحل بنوم حتى أصبحت أبكي، ودعا رسول الله صلى الله عليه وآله اسامة بن زيد وعلي بن أبي طالب عليه السلام حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله .
وهذا دليل على المشورة كان يعمل بها صلى الله عليه وسلم في حادثة الإفك إلا أن لا كراهية كما يدعون .
6ــ أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمشورة أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها حين رفض المسلمون العودة من مكة بدون أن يدخلوها في قصة صلح الحديبية ، فقالت: يا نبي الله أتحب ذلك ؟ أخرج لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك. فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك .

الشورى مبدأ أقره علي رضي الله عنه :

يقول علي : إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضى، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى) .نهج البلاغة" ص366، 367
قال الميلاني في فصل (تطبيق عمر لفكرة الشورى) يشرح الحديث، والنص التالي آخر كلامه في الكتاب:
كما أنّ معاوية طالب بالشورى عند خلافة علي ومبايعة المهاجرين والانصار معه، طالب بالشورى، لماذا ؟ لحذف علي، أراد أن يدخل من نفس الباب الذي دخل منه عمر، ولكنّ عليّاً كتب إليه: إنّما الشورى للمهاجرين والانصار، وأنت لست من الانصار وهذا واضح، ولست من المهاجرين، لانّ الهجرة لمن هاجر قبل الفتح، ومعاوية من الطلقاء ولا هجرة بعد الفتح، فأراد معاوية أن يستفيد من نفس الاُسلوب لحذف علي، ولكنّه ما أفلح. أ هـ . أثبت أن مبدأ الشورى معترف به عند علي ولم ينكره وقد أراد نفيه ! ولم تنفعه حجة أن معاوية ليس من الأنصار وليس من المهاجرين فهو لا يمانع أن يكذب على الله تعالى في كتابه بأن هناك هجرة بعد الفتح : ( وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَـٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَاتَلُواْ وَكُلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) الحديد 10
يقول الميلاني وهو الكذوب كغيره : وكلّ من يطرح فكرة الشورى، يريد حذف النص، كلّ من يطرح الشورى في كتاب، في بحث، في مقالة، في خطابة، يريد حذف علي، لا أكثر ولا أقل. وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.
أقول لعمري أين هو النص هل يبنى الدين على الظن والاحتمال ؟  ( أَلاۤ إِنَّ لِلَّهِ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰت وَمَنْ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُرَكَآءَ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ) يونس 66 .
إن مجرد اعتراض الشيعة وادعاءهم أن عمر منع كتابة الوصية هو دليل على أن لا وجود نص لإمامة علي قبلها وإلا لما احتاج أن يكتبها النبي صلى الله عليه وسلم آخر حياته بزعمهم، ولو كانت نص بالوصية وأحقية إلهية لما تركها بعد تعافيه عليه الصلاة والسلام من يوم الخميس إلى الأثنين يوم وفاته ، فأي بهتان يبنون عليه دين وفرق وأحقاد وثارات وعدم رضا لولاة أمورهم بسببها ؟
من الطريف أن نذكر أن الشيعة أكثر الأقوام تناقضاً فلا يوافق أقوالهم أعمالهم المثالية منها ، فعندهم مجالس للشورى في العراق وإيران وليراجعوا الدستور كيف أن تمسكهم بالانتخابات هو بحد ذاته نوع من أنواع الشورى التي يعين فيها الناس الحاكم ، وهناك مطلب الاستفتاء الذي تكرر من رجال الحوزة والمراجع في أكثر من أزمة سياسية ، وشر البلية ما يضحك .
‏قال المرجع آية الله محمد حسين فضل الله في أمر الوصية بمنطق وتجرد عقلي رفضه مراجع الإمامية :
النبي (ص) لم يكتب كتاباً بتنصيب علي (ع) كان يريد للتجربة أن تتحرك.

يتبين بحمد الله وعونه أن كلام الكليني ومن بعده في أن الإمامة بالنص لا بالشورى باطل وأن الحاكمية لا تتم بمبدأ الشورى كلام أظلم من سابقه ولا أساس له من الصحة، إلا في عقول رضيت بمخالفة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم . من المعلوم أن منهج الشيعة في أمور الدين يتبع تقديم العقل في الاعتقاد على النص ، ولهذا يسقط علماءهم آيات القرآن والحديث والسيرة والتاريخ ليوافق ما تمليه عليه عقولهم ضاربين بأهواءهم المنطق الذي يحتجون به ، وإن عجبنا منهم فعجبنا أكبر من الذين يتبعونهم من العوام لأننا نعلم غرضهم وهو السلطة والتحكم بالمال بالنياية عن الإمام المهدي الغائب، لكن العوام ليست لهم مصلحة سوى أنهم متعلقين بنظرية جميلة لا واقع لها في التطبيق كسراب يحسبه الظمآن ماءاً، حتى أن رفع يده ليرتشف منها لم يكد يصل منه شيء سوى العناء.
نسأل الله لهم الهدى ولنا ولهم بعد هذا الثبات .
ــــــــــ

* الشيخ المفيد ، النكت الإعتقادية - - ص 39
** الصدوق ، عيون أخبار الرضا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق