بعد رحيل الاحتلال الأمريكي بدأ الاحتلال الإيراني ببسط أذرعه أكثر مما كان يسمح لها من قبل البيت الأبيض، فالتصريحات التي خرجت قبل الانسحاب الأمريكي من قبل الرئيس الإيراني أحمدي نجاد كانت واضحة بقوله بأن إيران مستعدة لملأ الفراغ في العراق بعد خروج الأمريكان . تصريح أثار زوبعة من الانتقادات التي تشابه زوبعة في فنجان ، فقد شمّرت الصفوية عن أذرعها الدموية في العراق فطالت جميع العراقيين سنة وشيعة ، فكان استهداف نائب رئيس الجمهورية (طارق الهاشمي) باعترافات انتزعت من حمايته بالتعذيب والتهديد بضلوعهم في عمليات إرهابية منذ عام 2006 وكون الهاشمي الآمر بها ، وهذه هي المهمة الأولى بعد عودة رئيس الوزراء (نوري المالكي) من واشنطن بيومين تقريباً، وكأن هناك تلويح من أمريكا بأنه مرشح لمنصب كبير سواء بوضع العراق الحالي أو بعد إعلان الأقاليم . فتحت قضية الهاشمي شهية الصفويّة على استهداف آخرين بسبب اعتراضاتهم على تسييس القضاء واستغلال الإعلام، فالقائمة طويلة تضم باقي أعضاء الكتلة العراقية ممن ينتمون للمكون السني تحديداً مثل نائب رئيس الوزراء ( صالح المطلك) لمجرد تصريح إعلامي لرفضه ممارسات المالكي الديكتاتورية ، مع أن رئيس التيار الصدري ( مقتدى الصدر) أعلنها أكثر من مرة وكررها النائب ( صباح الساعدي) الذي عرف بتصريحاته ومعارضته النارية قبل إعلان النتائج لصالح المالكي لدورته الثانية . الكلام عن استهداف السنة يطول فهو ما زال مستمر منذ بداية الغزو وإلى اليوم مما كُتبت عنه آلاف المقالات ونشرت وكالات الأنباء الدلائل بالوثائق وهدف الماكي ومن جاء قبله هو واحد في نهج (تعدد الأدوار ووحدة الهدف) بغية التخلص من أي معارضة وصلت إلى درجة الاعتقال على النية والعشوائية .
أما عن التخلص من المعارضة الشيعية فله صور مختلفة لا تصل إلى بشاعة التخلص من أهل السنة لا بنوع التهم الملقاة ولا بأساليب التعذيب في السجون، فقد بدأت منذ أكثر من شهر ونصف حملات متفرقة في الجنوب بدأت في الديوانية بشكل ملفت تخص مقلدي المرجع ( محمود الحسني الصرخي) والهجوم على مكتب المرجع وإحراقه، مما أثار تساؤلات عديدة خاصة في أوساط الشيعة. انتقلت موجة الاعتقالات والقتل المنظم إلى بغداد قبل أسابيع بإلقاء القبض على شباب من منطقة الكاظمية والشعلة بتهمة غريبة كونهم من متبعي ظاهرة (الإيمو) المتميزين بملابس ذات طابع غربي وتصفيفة شعر خاصة ، وكأن بغداد كانت تخلو من توابع ما بعد الاحتلال المعروفة كآفة سجلها علم الاجتماع، ابتليت بغداد خاصة بانتشار الفساد والحرية غير المنضبطة في الملبس والتصرفات الهوجاء التي أشاعت الهرج والمرج والضرب على الدفوف في الشوارع خاصة في الحدائق العامة .
وذكرت الأخبار - خلال يومين فقط – بأن : 90 شابا من (عبدة الشيطان) كما وصفوهم قد تم قتلهم بطريقة تهشيم الرؤوس بحجر كبير، منهم 13 في منطقة الكاظمية وآخرين في مدينة الشعلة والصدر والزعفرانية والديوانية وذي قار وكانت الحصة الأكبر من القتلى في محافظتي بغداد وبابل!!.
انتقلت هذه الممارسات التي تبنتها القوى الأمنية ذاتها المتناقضة والمعروفة بأفرادها المائعين والراقصين في أثناء أداء واجبهم في نقاط التفتيش وتعاطيهم حبوب الهلوسة وما لحقتها إلى مرحلة أكبر تعدت إلى الهجوم على الحسينيات الشيعية، حيث قامت القوى الأمنية في محافظة الناصرية في منطقة الرفاعي بالتهجم على جماعة المرجع الصرخي ومنعتهم من الصلاة يوم الجمعة بتهديم جدار مسجد (محمد باقر الصدر) وتحويله إلى مكب نفايات، كما تكرر الهجوم على محافظات أخرى مما يلقي الضوء على حقيقة هذا النزاع الذي امتد إلى البصرة ليتحوّل إلى حرب بين المراجع الشيعية، فالجهتين المتنازعتين هما جماعة المرجع السيستاني والمرجع الصرخي، وأقحم مقتدى الصدر بتصريحات رافضة للإيمو وتم نفيها ، فلم الآن بالذات ؟ هل تمتع العراق بالأمن الخارجي والداخلي وبقيت القوات الأمنية بلا مهام ؟ هل ارتفع الحس الاجتماعي عند مجالس المحافظات وأفراد الأمن التابعة على حين غرة ؟ أم أن الأمر يأخذ طابع الاختلاف بين المرجعيات وولاءها الذي عرض العراق للضياع ؟ فالمعلوم أن المرجع الشيعي الصرخي عراقي رافض للاحتلال الأمريكي وتدخل السيستاني في تمهيد السيطرة للأحزاب الشيعية الموالية لأمريكا وإيران خاصة بالاستحواذ على مفاصل الدولة الهامة بل ورئاسة مجالس المحافظات التي احتكرها حزب الدعوة في غالبية واضحة ، بغض النظر عن سكوته منذ بداية الغزو عن التدخل الإيراني وإبادة أهل السنة من قبل المليشيات. أم المسألة ليست ظاهرة الأيمو بل هي تهمة كيدية لتضييع الثقل السياسي للمرجع الصرخي؟ ما نعلمه أن المرجع الصرخي ليس له ثقل ولا لمقلديه تأثير في الشارع العراقي، ولا نعرف له كتلة سياسية ومقاعد تنافس كتلة دولة القانون حتى يكون هذا الصراع المحتدم خطوات لتهيئة الشارع لفرض الواقع دون تغيير باحتفاظ حزب الدعوة بمنصب رئيس الوزراء إن تم الاتفاق على بقاء رئيس الوزراء لدورتين فقط .
من خلال قراءة تاريخ الحكومات الصفوية في العراق بعد الغزو وممارسات أحزابها خلال الانتخابات لا يبرر تصعيد بهذا الشكل الواسع، فشراء الأصوات والتحالفات ممكنة ومتعارف عليها وفق تعدد أدوار ووحدة هدف ، فمساومات وتقسيم للمناصب سلفاً لم يعد عار ومدعاة خجل في عراق ضاع بأيدي عميلة جمعت ولاءها لإيران مع طبيعتها المتعطشة للمال بأي وسيلة ولا نصيب لمصلحة العراق وشعبه في حساباتهم . إذن هناك أسباب أخرى ما يزال الشيعة تحار في تحليلاتها فنرى مقالاتهم تتكلم عن الإرهاب الديني الذي لم يحدد تعريفه كما يدّعون ! ويرفضون التهجم على المساجد ومنع الصلوات في بيوت الله ، أخيراً !
ويتسائلون عن جوهر الأعتداء في دولة الديمقراطية ، بل ويناشدون الجامعة العربية وحقوق الإنسان ومعهم الوقف السني والشيعي بالذات للتدخل ! .
نحن سنة العراق يؤسفنا ما آل إليه عراقنا الغالي وما يجري من سيل الدماء منذ تسع سنوات لم نجد من عامة الشيعة أي مواجهة حقيقية لوقف الهيمنة الإيرانية وتحكم سفيرها المباشر في الحكم وفي قرارات مجلس الوزراء بل وفي أي قرار يعرض على مجلس النواب للتصويت ، وإن احتج الشيعة وأنكروا التدخل في مسائل تخص الشأن الداخلي ومصلحة العراق فلهم في قضية معسكر أشرف ونقله ما يكفي كدليل. ما يجري من اعتقالات واستهداف ممنهج وضّح الإعلام المؤيد لنهج المالكي غايته في برامج قيل عنها الشيعة أنها كانت حول الأعلمية المرجعية ولمن تكون القيادة، وذلك في حوار عن نشر الثقافة عند الإمامية عن طرق الاستدلال بشكل أثار حفيظة أتباع المرجع الصرخي ، في حين أنه قد طلب منذ فترة من المرجع كاظم الحائري ومحمد إسحاق الفياض وعلي السيستاني المطابق لفقه الخوئي أن يتباروا في إثبات الأعلمية في مناظرة حول الفقه والأصول من خلال بحث خاص به ، فلم يستجيبوا له ولم يضعوا ردهم على محتواه ، وهذا ما صرح به المركز الإعلامي لمكتب السيد الحسني الصرخي من موقعه الالكتروني.
إذن القضية وحقيقة ما يجري من حرب واضحة تخص المرجعيات وقيادة حوزة النجف بعد وفاة المرجع السيستاني الذي نُشر منذ فترة أنه أوصى بدفنه في هدوء .
ونحن لا نقول أنه قد تُوفّي فعلاً وبقي الأمر يعلمه الكبار فقط، أو أنه يحتضر، ولكننا نقول: إن إيران لن تسمح للعراقي أن يترأس الحوزة في النجف، ولهذا أعلن في المواقع الالكترونية عن أن السيستاني أوصى برئاسة الحوزة للمرجع ( بشير النجفي) وهو أعجمي رضيته إيران وزكته حوزة قم ، وعلى الشيعة أن يكتفوا بكونهم خدماً لإيران عن طريق طاعتهم للمراجع والمرجع الأعلى في العراق ،
نعم .. هي رسالة ولكنها دامية كعادة الصفويين في رسائلهم الساعية إلى توطيد هيمنة الفرس على أرض العرب ، فقد وضعوا خطة عامة من ثلاث مراحل
الأولى : بغزو العراق والتخلص من الجيش العراقي العامل الأقوى لوقف الشر الفارسي .
والثانية: التخلص من قوة أهل السنة المتمثلة بشيوخها وعلماءها والمعارضين من عامة السنة
والثالثة : التخلص من قوة الشيعة العرب، وهذا ما يجري كمرحلة أخيرة يتم فيها هيمنة ولاية الفقيه بعنوان مغاير، فهل وعى الشيعة فداحة ما ارتكبوه من ثارات أخطأت هدفها ؟ وإن لم يطردوا الفرس فمتى؟
ولك الله يا عراق !
ــــــــــــــــــــــــ
بقلم / آملة البغدادية /
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق