الثلاثاء، 28 يونيو 2011

قصة من واقع العراق /'نحن الروافض وأنت المُحـدَثون

قصة من واقع العراق
" نحن الروافض وأنت المُحـدَثون" 

في يوم جديد ككل الأيام ، توجهت( أسماء ) الى عملها وهي تمسك بيد طفلها مبتسمة تود لو تحمله الى المدرسة حملاً ولكنه يرفض ناظراًإليها نظرة رجل وهوأبن السادسة ويقول(  : لا توصليني الى الباب سأذهب وحدي مثل أصدقائي ) ، ضحكت وقالت : (نعم إنك رجل ولكن أخاف عليك من الطريق ) ولكنه عاد يقول بنبرة أشد حدة : (أتركيني وإلا سأعود ولن أذهب الى المدرسة )، قالت وهي تشعر بفخر لأن أبنها له قلب رجل في رقة طفل: ( نعم هيا أذهب لكن أنتبه) . أفلت يدها وتوجه بخطوات ثابتة الى مجموعة من رفاقه ومشى معهم وهي واقفة في مكانها تراقبه خوفاً عليه ، وأذا ب (زياد )الصغيريستدير ليرى إن كانت أمه قد توجهت الى عملها أم لا ؟ وكأنه يعلم بقلبه معنى الأمومة التي تجعل والدته لن تبرح مكانها حتى تطمئن عليه، رآها واقفة كما هو ظنه فقال بصوت عالٍ على مسافة منها: (سأعود إذا لم تذهبي الآن) . تجمعت عندها كل المشاعر حينها، الزهو بأبنها والخوف عليه والدعاء الى الله تعالى لحفظه وأن يكون له شأن كبير في المستقبل . تبسمت وهي تمشي الى عملها مبتعدة ولم تدعه يغيب عن ناظرها حتى تطمئن عليه فرأته يدخل المدرسة بسلام وهو يحمل الحقيبة على ظهره وكأنها كنز ثمين من أغلى مقتنياته .

مضى اليوم ككل الأيام شاقاً في العمل فهي تعلم إنه واجب يجب أن تؤديه بأمانة لايقابله مكيال ، ولكن ما يخففه هو سعادتها بين زملائها فقد كانت تجمعهم روابط طيبة وأحاديث لطيفة تخفف رتابة العمل وطول النهار، كانوا من كل الأطياف، من بغداد والنجف ودهوك والأخرى من البصرة ، وكان يجمعهم أبريق شاي واحد وعلبة سكر واحدة ، وليته دام .وها هي الساعة الثانية أخيراً، وعادت (أسماء) الى بيتها متعبة، وبعد الغداء وضعت طفلها في السرير وذهبت للقيلولة فالليل يعني لديها عمل ثان يحتاج لطاقتها في تحضير الطعام والتنظيف وتدريس أبنها (زياد) ، وكان من عادتها أن تقرأ القليل من القرآن قبل النوم، فهو كمرهم يداوي تعبها ويهدهد قلبها ليغفو بأمان . لحظات مرت، وإذا بزوجها يقول : ( ياألهي أنتهت المهلة وسيضربون بغداد غداً ) . شعرت بقلبها ينقبض ، وكان الغد ليس ككل الصباحات، صافرة إنذار كسرت هدوء الفجر وكسرت معها أمان الليالي . طائرات من كل حدب وصوب وأصوات أنفجارات تهز البيت، وكأنها في كابوس مرعب ودت لو إن أحد ما يوقظها ولكن من؟ .
مرت أيام ثقال لتعود يوماً الى عملها وهي تتمنى لو أنها تجد كل ما تركته في مكانه كما كان، لكن هيهات . لم تتعرف الى وجوه زملائها حين رأتهم كأنهم نزعوا جلد الحرباء، أصواتهم هي نفسها ولكن ليس هذه هي الكلمات ، فهذه خرقاء ! .
يقول زميل: ( والله هيهات منا الذلة، بيننا وبينكم العداء ) ويقول آخر: ( لا مكان للأرهابيين النواصب بيننا، أتركوا الدار أو الى فناء ) , وتقول زميلتها: ( وفاطمة الزهراء، الآن تنفستُ الصعداء ) ! ، وتقول أخرى: ( يكفي سكوتنا الشمال لنا، وكركوك ونينوى الحدباء ) وتقول النصرانية: (سنذهب الى تركيا فهذا ليس بلدنا،ما نحب هذه الأجواء) ! . أيعقل أن يكون هؤلاء من كانوا يشربون معها الشاي الذي كانوا يتقاسمون ثمنه مع السكر كل شهر ؟ . أيعقل أن يكون هؤلاء هم من كانت تدافع عنهم حين ترى لوم من مدير لتقصيرهم ! أيعقل أن يكون زميلها من منطقة الدورة يختفي لأن لديه ولد أسمع (عمر ) وآخر(سفيان) ؟ أيعقل أن ترى المخازن فارغة على بكرة أبيها في ليلة وضحاها؟ وفي الأمس كانت عشرات الصفحات تدقيق في الحسابات ؟، وهذا الرجل القادم ورائه عشرات الحراس، تراه من يكون؟ قالوا : (مدير جديد من الحوزة فريد !)، أين مديرنا الذي كان أول من يدخل وآخر من يخرج ولا يحس به أحد ؟ قالوا أنه بعثي الأنتماء ! .
 عادت للبيت حزينة تود لو تصرخ ماذا دهاكم يا أخوان؟ ما الذي غير فيكم ذاكرة الأزمان ! ؟
ألتهبت بغداد فقد وقعت جريمة كبيرة في سامراء لم تحدث في سابق القرون . علوج وقوات حكومية زحفت بليل بهيم لتفجير المرقدين بعد تبديل الحراس . ثارت سامراء وقتلت صحفية شابة تغطي الأحداث وضاعت ( أطوار) . ما قام نائمهم ولا عبأ بتهديم السرداب ! ولا عنده فصل في أي نزاع ، وإذا الظهر يأتي بصراخ من المؤذن ( الله أكبر الله أكبر ) أن اغيثونا ، فوجئوا بثلة من حثالة الأزبال ملثمين مؤيدين بحرس الحكومة لا حرس الوطن والعباد يحرقون الجامع ويقتلون الحراس على ظهورهم الأثام أحمال أحمال، وأذا بالدماء تراق فوق السجاد المعطر بالبخور. فالعوام الهوام يثأرون لروايات حقنتها بهم الحوزات ، وها هو دين القوم دين فارس يدمر الحائط برصاص الغـلّ القديم يـُحفرعليه بصمة مقيتة تقول:
( أنا الفتنة، ها أنا قد صحوت، فأين النيران أين أتباع الشيطان ؟ ) .

فتحت أسماء باب بيتها علـّها تجد من يحمل السلاح فلم تجد غير علوج يمرون في الشارع يتبخترون بأمان وهم يستمعون الى أغان المجان ، يضحكون في بلد الحضارة بلد بابل والرشيد وصلاح الدين بلد الأبطال فوجدت نفسها بلا وعي تعلو سطح منزلها تسجد لله هناك وتبكي مستنجدة رحمة من عنده لحملة القرآن . صحت في اليوم الثاني وهي تعلم أن الزمن القديم قد ضاع ، وخرجت لترى الشارع على غير هيئته أعلام سوداء وخضراء، تمتد كأنها أعلانُ منطقة ٍللحرب مكتوب عليها، (يا قائم آل البيت ) و(يا لثارات الحسين) ؟ وهذا الشاب الذي كانت تشتري منه حاجات البيت وهو يبتسم مرحباً، يقف أمام الشارع يحمل سلاحاً في بلد كان يمنع فيه حمل السلاح ، وهو يقول: ( أكتبوا أسماءكم وعناوينكم وإلا من هو البطل بينكم ليـأتي وويلكم ) . لم يبق شارع في بغداد إلا وسرى فيه النار والبلاء وسامراء تبكي: (أولادي ليسوا بالجبناء ولا هم من أقلقوا الأمامين أحفاد النجباء ). صراع من كل لون ( وتحالف وأختلاف وصدر يمتلأ بالبغاء ) .
أنكبـّوا على قصعة يهشمونها أسمها العراق ، كان حلم قديم أستعصى زمن والآن أطاع ! .

كاد اليأس يأخذها معه الى عيشة الأموات، لكن ظنها خيرا ًبالله تعالى لم يفلتها، فتمسكت بالدعاء ، وهذا ما دعاها تغفو على أمل يوم جديد يطرد فيه الفجر عتمة الليل الطويل، ومعه طيور الظلام الى وادي سحيق . قالت: ( يارب ما العمل ؟) سمعت صوتاً من وراء ستار يقول : ( أقسمنا لن نبرح المكان حتى يعود الأمان ) ، وإذا بدوي أنفجار ٍوركض وعويل . من هم يا ترى ؟ قالوا:  (أنفجار همر وقتل من فيها ) فتبسمت : ( الحمد لله إنهم الرجال ، يا ليت لو إن من كل ٍأنتفض نفرٌ، ما لبث فينا عمر الهم يوم ٌولا كان خيارنا بيد اللئام تتأسر ُ). سمعتها جارتها التي كانت في الأمس تتبسم ،قالت لها : (كل هذا كان لأنكم النواصب ، تكرهون آل البيت وتقولون عنا الروافض ولن تعود الحال حتى يقوم قائم آل البيت ) . لاتدري أسماء أتحزن عليها وعلى الكثيرات من مثلها رضعوا الخرافات بجهل ويرضعون جيل الحقد الواحد بعد الآخر ؟
أم تدعو الله أن يعجل أمره فيهم؟ ولكنها وجدت نفسها تقول :
  بل نحن والله الروافض ، نرفض البدع والعداء بين الصحابة ونرفض الحكم بفتوى آيات الضلالة ونرفض غير كتاب الله وسنة نبيه المختار ،
 وأنتم المفسدون المُحدَثون وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة الى النار  .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق