القمة العربية ، نعمة لإيران وغمة للعراقيين يا عرب
يمر العراق منذ تسع سنوات في أصعب مراحل تاريخه القديم والحديث في احتلالين مزدوجين مثمثل في الاحتلال الأمريكي والإيراني الذي فاز بمكاسب مستمرة جراء موافقة أمريكا على سيطرة الأحزاب الشيعية على الحكم ، فأصبح علم البيت الأبيض بسيطرة جهاز اطلاعات وأفراد الحرس الثوري على قرارات الأجهزة الأمنية وعدم أتخاذ خطوات جادة لنزع هذه السيطرة هو بمثابة موافقة وفوز لإيران ندمت عليه أمريكا بعد ذلك مما دل على هشاشة الدراسات المتعلقة بالمنطقة ، أما التصريحات المبطنة بالتدخل الإيراني فهي لذر الرماد في العيون رغم الوثائق التي نشرت على الأقل في موقع ويكليكس منذ فترة طويلة بلا رد فعل سوى القبض عليه .
لم يكتف الغرب بسكوته على هيمنة إيران على الحكم وهي تستمع لتصريحات الرئيس الإيراني نجاد أو قائد فيلق القدس سليماني أو السفير الإيراني في العراق (دناني فر) المتتابعة خاصة في الآونة الأخيرة متحدية بالورقة العراقية نوايا أمريكا وإسرائيل لضرب إيران عسكرياً بسبب برنامجها النووي ، بل نطق كفراً بعجزه ـ أي الغرب ـ على وقف المجازر التي يرتكبها النظام النصيري في سوريا بمساعدة النظام الإيراني في إيران والعراق وحزبه في لبنان بكل أذرعه التسليحية والسياسية كما يدعي ذلك وفق الاجتماعات التي عقدها في مجلس الأمن وكواليسه والبعثة التي أرسلت لتقصي الحقائق ، فلا أدت المناقشات إلى وقف المجازر ولا توصلت البعثة إلى حل يحفظ وجه المجتمع الدولي لفشله المستمر في ردء المخاطر التي تواجه دول العالم لا سيما في منطقة حيوية ساخنة كمنطقة الشرق الأوسط . لم يتوصل المجتمع الدولي إلى معاقبة الرئيس السوري بشار الأسد بتهمة قتل الشعب السوري بعد ثورته السلمية في ما يسمى بالربيع العربي ولم يتدخل كما تدخل في ليبيا الشقيقة وكأن الدماء تختلف ، مع أننا لا نؤيد التدخل العسكري في دول المنطقة لما ثبت بخطورته الجسيمة على المنطقة كما حدث في العراق خاصة بجريمة الحرب على العراق عام 1991 وعام 2003 .أضاعوه وأي فتى أضاعوا .
تأتي القمة العربية في دورتها هذه لعام 2012 وانعقادها في العراق لتكون غمة جديدة وسط هذه المخاطر والتحديات الأقليمية للمنطقة التي تستهدف تغيير ديموغرافي ديني وعرقي بتأجيج شيعة المنطقة على حكامهم في خريف أسقط أوراق التوت التي كانت تغطي كل عميل ومنتفع في بلدان المنطقة لصالح إيران أولاً وأخيراً . هذه القمة التي وافق العرب على عقدها في العراق في ظل هيمنة حكومة تغلب عليها الطابع الصفوي لهي رسالة واضحة على ضعف القادة العرب وفداحة البروتوكول المعمول به بحجة الوحدة العربية والتزاماتها التي باتت حبراً على ورق ونكتة سمجة تضحك عليها الشعوب بمرارة وتبكي لها عيون المبتلين بهشاشة العمل الجاد والجهاد الواجب المؤجل إلى إشعار غير مسمى لنصرة دين الله ونصرة أهل السنة في العراق وسوريا من حرب دينية لا طائفية شنتها عقيدة الشيعة التي رفعت شعار المظلومية الزائفة بأسم نصرة آل البيت رضي الله عنهم .
على صعيد الشارع العراقي أصبحت القمة غمة بكل المقاييس على العراقيين ، فمن ناحية أمنية تم قطع الجسور ومنع حركة السير في المناطق القريبة من المطار وانتشار أكثر من 100 ألف فرد من القوات الأمنية ، وكانت الإجراءات والأوامر غير مسبوقة باعتقالات مكثفة في مناطق أهل السنة بحجة تأمين الوفود الزائرة حتى وصلت إلى اعتقال فرد من كل بيت بصيغة (رهائن) من منطقة ( العامرية ) في بغداد القريبة من المطار حتى إكمال القمة منعاً لأعمال إرهابية كما يدعي الجهاز الأمني وكما نشر في القنوات الفضائية الإخبارية العراقية مع حملات اعتقالات واسعة في منطقة الرضوانية وأبي غريب كذلك وفي الفلوجة وديالى مما بلغ عددهم أكثر من 400 شخص . ننتظر أن يصل الصوت العراقي إلى أسماع الوفود المشاركة إن لم تصل إليهم طوال تسع سنوات ، وسنرى كيف يتعامل العرب مع النداء الذي وجهته شيوخ الأنبار لاتخاذ موقف جدي في اجتماعات القمة وسط تغاضيهم المستمر لإجرام حكومات الاحتلال المتعاقبة واستمرار الاعتقالات بشتى الذرائع والتي تدعي الديمقراطية والحرية أخيراً . لا يخفى على أي عاقل إن عدد القوات الأمنية المبالغ فيها والإجراءات التعسفية إنما هو دليل على المخاوف والتحديات المستمرة في العراق ودليل على بساطة تفكير وعدم خبرة في القيادة فقد فضحت هذه الإجراءات بالطائرات المائة التي أُمر بتحليقها في أجواء بغداد كذب المالكي وأعوانه في أن العراق مستقر وآمن ،
أما من الناحية المالية فقد وصلت كلفة الأموال المنفقة لهذه القمة بحسب مصادر موثقة من اللجنة المالية البرلمانية بأكثر من (مليار وربع) دولار أمريكي تم تسليمها لكل من أمانة بلدية بغداد ووزارة الخارجية ضمت مصروفات تهيأة الفنادق ومقرات الاجتماعات والشوارع المؤدية للمطار وتكلفة تجهيز أفراد الحماية. والفضيحة هنا أن الولايات المتحدة صرحت بأن وزير الخاجية العراقي ( هوشيار زيباري ) أبلغهم بأن التكلفة المقررة هي 150 مليون دولار ! فأين الباقي يا حكومة الفساد التاريخي ؟ ننتظر التحقيقات من قبل البرلمان ولا عجب أن كانت العقوبة لمسئول من أهل السنة تحديداً كأمين بغداد ( صابر العيساوي ) لتكمل ملف اتهاماته التي ما نجح الإيراني النائب شيروان الوائلي في جلسات البرلمان للتخلص منه قبل شهرين تقريباً كما تخلصوا من مستشار العقود في أمانة العاصمة بأمر خاص من المالكي نفسه كدليل على تعديه لصلاحياته لتشمل أوامر بالإقالة والاعتقال والتدخل بالقضاء الذي احتجوا على وصفه ب (المسيس) في قضية الهاشمي ، والقائمة مستمرة وسط تغاضي العرب عما يجري من استبعاد منظم لأهل السنة من دوائر الدولة .
إن المؤسف والمخيب لمن تأمل خير في هذه القمة أن تصدر التصريحات بعدم التطرق لموضوع تنحي بشار الأسد وعدم التطرق للوضع الداخلي السياسي للعراق ، في حين أن هذين الموضوعين هم المفتاح لاستقرار المنطقة ، وسنتابع القمة وقراراتها التي لا نشك بهشاشتها وفشلها مسبقاً إلا بقرارات تعطي إيران وعملاءها في المنطقة أسباب الاستمرار في التوسع الصفوي وكسر النفوذ العربي . أما عن بوادر الاجتماعات المسبقة فقد ناقش المؤتمر اليوم الثلاثاء المتضمن جلسات المؤتمر الخاص بالاقتصاد والبيئة البحث في أمور التعاون الاقتصادي وحل مشكلات النزاع المائي في دعوة لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في القمم السابقة ، وكأن قمة العراق الحل لردء فشل قمم العرب السابقة باعتراف وفود العرب ! وياله من تنازل عن قيادة المؤتمر هذا للعراق وصف العرب مرتين، مرة بكونه مسئول في حكومة عميلة لإيران ومرة لمسئول غير عربي وهو (بابكر زيباري) الكردي ، فتعساً لهذه البصيرة النائمة التي طال سباتها ، فالكرد هم من منع وصف العراق بأنه عربي في دستوره ويسعون في قيام دولة الكورد المنفصلة عن العراق في حكومة تحركها إيران كما شاءت ، فيا له من سقوط مدوي في أحضان إيران ! ، ويا لها من قمة ستجلب النقمة للعرب بلجانها وإلزاماته التي تهيأ لإيران التواجد غير المباشر في كل قرار وكل إجراء عن طريق العراق وبقوة المال التي تجيد إيران استخدامه ، فما معنى تجاهل الحكام في جنون كهذا ؟
رسالة للوفود من سنة العراق
نحن سنة العراق نقول للعرب أوقفوا اشتراككم في قتلنا بالصمت المستمر من قبلكم وبمصافحة عملاء إيران في العراق واعترافكم بحكومة عميلة أخيراً بحضوركم هذا المؤتمر الأعلى تمثيل وإن تم تبديله إلى مستويات أدنى فلا يشفع لكم في الجلوس معهم . كفى تساهل مع حكومة عميلة لم تتحرك بوقف التدخل الإيراني وطرد سفيرها حين أعترف باحتلال بلده للعراق بتصريحاته المستمرة ، فهل وصلكم معنى إعلانه بوقاحة استعداد القوات الأمنية لاستقبال الوفود؟ أنه كتلميح وتحدي بتواجد الحرس الثوري وعيون إيران على كل جلساتهم المعلنة والسرية ، ساسة لم تعترف بعروبة العراق في الدستور الجديد ولا بالقرآن كأصل في التشريع الذي غاب ذكره تماماً واكتفوا بذكر الرسالات السماوية والإسلام . نقول للعرب كفى تخاذل أمام ساسة العراق الذين جلبوا الإرهاب والطائفية والتهميش ونهب الثروات وكل أشكال الجريمة وضم المليشيات المجرمة للقوات المسلحة ناهيك عن الفساد الذي ملأ مواقع الإعلام ، هذا النظام الصفوي المتذرع بالشراكة زوراً والذي أصبح ذراع إيران في المنطقة بما لا يقبل الشك ، فإن بقي لحكام العرب ووفودهم ذرة شعور بالمسئولية التاريخية واحترام شعوبهم أن يبحثوا في اجتماعهم عن حقوق أهل السنة وعن عقيدتهم المستهدفة خاصة مع حكومة فاقدة للأهلية وفاقد الشيء لا يعطيه، فكيف يعقل أن تبحث معها عن حقوق الشعوب الأخرى ومآسيه ؟ . إذن على الوفود المشاركة أن تبحث من باب أولى تشييع العراق وسياسات الإبادة والتهميش ونقض النص التالي في ديباجة الدستور العراقي مع الساسة والأحزاب الملوثة ايديهم : ( فََسَعينَا يَدَاً بيَدٍ، وَكَتِفاً بِكَتفٍ، لِنَصْنَعَ عِراقَنَا الجَديدَ، عِراقَ المُسْتَقبلِ، منْ دونِ نعرةٍ طَائِفِيةٍ، وَلا نَـزْعَةٍ عُنْصُريةٍ، وَلا عُقْدَةٍ مَنَاطِقِيةٍ، وَلا تَمْييز، وَلا إقْصَاء. ) بما أثبت الكذب السافر للدستور الأسود الذي خرقه من كتبه والذي سيبقى وثيقة إدانة وشهادة زور في نص الديباجة الذي يعبر عن نفسية تعاني من مظلومية عقائدية أزلية رغم تولي الحكم في العراق .
إيها العرب حكام وشعوب كفى نسيانكم للعراق بلد الحضارات ومهد الأنبياء وبلد العلم والعلماء ومركز الخلفاء طوال سنين ولن يكون تذكركم للعراق بهذا الشكل مقبول على الإطلاق ، ولعمري كيف يعقل أن تناقش أزمات المنطقة في بلد غير مستقر ولا آمن ؟ مللنا من الضغوط على العرب ومن سكوت الحكام وإن لم يفهموا الثورات فليفهوا التاريخ ومن عادى العرب، فأما أن تبرروا تخاذلكم بكون العراق قد ضاع والتعامل مع الواقع على ما هو فهذا هو الطريق لوصول الشر إلى بلادكم والأيام قد شهدت وستشهد ، اللهم قد بلغنا نحن سنة العراق اللهم فاشهد، وحسبنا أنت ونعم الوكيل ونفوض أمرنا إلى الله أن الله بصير بالعباد .
آملة البغدادية / 27 /3/2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق