بسم الله الرحمن الرحيم
جعفر السبحاتي يُفشل عصمة الأنبياء وينسبها لغير المعصومين
نقد ( عصمة الأنبياء في القرآن )
ــــــــــــــ
حاول علماء الإمامية جاهدين أن يثبتوا عقائدهم من القرآن الكريم منذ قرون، وعندما اصطدموا بموانع الآيات المحكمة، عندها لم يجدوا مفر إلا باللجوء إلى المتشابه وطريقة التقطيع فنتج هجين لم يتأقلم مع أحد وتناقض في أولياته . في كل عصر يتقدم فقهاءهم ليحسنوا كتب المتأخرين بكتب جديدة تفصل وتبرر وتحاول أن تنفي التناقض، وهذا بحد ذاته دليل بطلان دين التشيع الإمامي الذي مازالت أسسه تترنح وتحتاج لمن يسارع في أعمال الصيانة، ولا غير أدوات مستعملة مهترة هي ما لديهم ، كعلم الكلام والتأويل الباطني للآيات ودوامة التقية وغيرها ، فأنى لهم صحة ما يدعون وتوافق عقائدهم مع الكتاب والسنة ؟
نظرة على ما كتبه العالم جعفر السبحاتي في موقعه الألكتروني ضمن قسم المقالات عن العقايد في سلسلة المسايل العقايدية ! بعنوان (عصمة الأنبياء من القرآن الكريم) ، والذي وجدت فيه عدة نقاط تبطل استدلاله على العصمة المفصلة حسب المقاس الصفوي ، وبجهدي المتواضع الذي لا يخلو من تقصير، والذي أسعى فيه أن يكون كاشفاً عن حجب الضلالة ومظهراً للحق ، ومن الله الهدى .
1 ـ
فشل في نفي علاقة علم الكلام بعقيدة العصمة
أقر أن علم الكلام لم يتطرق إليه الشيعة إلا الشيعة الإمامية وبه عرفوا العصمة للأئمة في حين أنه أراد نفيها لا إثباتها .
قال في تاريخ ظهور الفكرة بين المسلمين :
(ثمّ إنّ المتكلّمين هم الذين اهتموا بمسألة العصمة خصوصاً الإمامية والمعتزلة.)
في نص آخر : (فالظاهر من كلمات المتكلّمين انّها موهبة من مواهب اللّه سبحانه يتفضل بها على من يشاء من عباده بعد وجود أرضيات صالحة وقابليات مصحّحة لإفاضتها عليهم.)
(نعم نجد المستشرق «رونالدوسن» ينسب فكرة ظهور العصمة في الإسلام إلى تطور علم الكلام عند الشيعة وانّهم أوّل من تطرق إلى بحث هذه العقيدة ووصف بها أئمّتهم .
عقيدة الشيعة: 328.)
انّ هذا التحليل لا يبتني على أساس رصين وإنّما هو من الأوهام والأساطير التي اخترعتها نفسية الرجل وعداؤه للإسلام والمسلمين أوّلاً، والشيعةُ أئمّتهم ثانياً. أ هـ
!!!
2 ـ
أصطدامه بنصوص القرآن المتناقضة مع عقيدة العصمة :
من عادة الأديان التي تعتمد على التأويل الفاسد أن تعتمد طريقة الاعتقاد قبل الاستدلال على العقيدة بينما العكس هو الصحيح ، لهذا عندما التزمت الشيعة الإمامية بعقيدة عصمة الأئمة المطلقة اصطدمت بنصوص محكمة في القرآن الكريم تنفي هذه العصمة في سير الأنبياء ، فكان عليها أمران ، إما أن تترك اعتقادهم بالعصمة المطلقة للأئمة، أو تكتب مئات الكتب لترسخها في عقول الشيعة، مع ضرورة حث الشيعة لإهمال القرآن الكريم بتهمة التحريف وتركيزهم على كتب الزيارات والأدعية والصلوات الخاصة بأسماء الأئمة جيل بعد جيل ، وقد اختاروا الثاني وهذا أول خرق لنسيج واهي نسجوه بأيديهم . إن العصمة التي وضحها الله تعالى في كتابه هي العصمة الكاملة في التبليغ وامتناع ارتكاب الكبائر والخسة والدناءة ونقصان الشرف وغيرها بمقتضى التكوين التي تجعل النفور من كل ما يتعارض مع صفات الصفوة الصالحة للنبوة ، أما النسيان والخطأ والسهو فهي أمور واردة تابعة للطبيعة البشرية لهم ـ عليهم السلام ـ لا تخدش في مهمة التبليغ بل كانت السبب في توجيه الأمم وتقويم العبادات ، وهذه حكمة مقصودة من الله جل وعلا . هذا الشكل من العصمة ناقضته كتب الإمامية جميعها ، فرفضوا امكانية السهو والنسيان والخطأ والذنوب الصغيرة عند الأنبياء ، بحجة أنه إذا تطرق إمكانية ذلك في أذهان الناس فتتولد لديهم فكرة الخطأ في التبليغ، ولعمري كيف استدلوا بأداة شرط غير جازمة وهم يبحثون عن الجزم في حدوثها ؟ . إن هذه الحجة باطلة لعدم إثبات وجود الشك في عصمة الأنبياء لدى من آمنوا بهم . عمد علماء الإمامية المتأخرين إلى الرجوع لكتب متقدميهم ، وصاروا يضعون التبريرات وفق علم الكلام والتفسير الباطن للآيات حتى يسلم لهم بقاء الخرق الذي سببه متقدميهم في الدين فخرقوا خرقة أكبر من الأولى .
يقول جعفر السبحاتي :
فالنبي المعصوم قادر على اقتراف المعاصي وارتكاب الخطايا، حسب ما أُعطي من القدرة والحرية، غير أنّه لأجل حصوله على الدرجة العليا من التقوى، واكتساب العلم القطعي بآثار المآثم والمعاصي، واستشعاره بعظمة الخالق، يتجنب عن اقترافها واكتسابها ولا يكون مصدراً لها مع قدرته واقتداره عليها. أ هـ
وهنا اعترف بإمكانية اقتراف المعصية من حيث الطبيعة البشرية، أي أنه أقر بنقض مبدأ العصمة اللاهوتية المتعارفة عندهم ، والسبب في هذا سير الأنبياء في القرآن الكريم ، ومنها ما جرى ليوسف عليه السلام وطلبه العصمة من الله . رجع السبحاتي خطوات إلى الوراء بعد أن تقدم خطوة، فقد تجرأ على منح نفسه صلاحية الصفح عن الأنبياء بكل بساطة مما يدل على سوء أدب مع الأنبياء . يقول :
(وفي هذا المجال وإن كان ربما يوجد نقول شاذة في عصمة الأنبياء بالنسبة إلى المعاصي الصغيرة، أو عصمتهم قبل البعثة، لكن نضرب عنها صفحاً ونستنطق الفعل والقرآن في هذا المجال .) أ هـ
يقول نستنطق، والله يقول سأستنطق جلودكم يوم الحساب : (وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )فصلت 21
ثم جاء بأمثلة من القرآن لا علاقة لها بالمعاصي الصغيرة ، وفسر الآية التالية بغير معناها الظاهر بشكل عجيب وغفل عن الفعل (استيأس ) :
( حَتّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدَكُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَومِ الْمُجْرِمينَ ) ، يقول : وإن شئت تفسير الآية فعليك بإظهار مراجع الضمائر بأن تقول: لما أخّرنا العقاب عن الأُمم السالفة ظن الرسل انّ الرسل قد كُذِبَ الرسل في ما وُعدوا به من النصر للمؤمنين والهلاك للكافرين. وعلى هذا فكل جواب من القائلين بعصمة الرسل على خلاف هذا الظاهر يكون غير متين، بل يجب أن يكون الجواب منطبقاً على هذا الظاهر.
والآية : ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ البَأْساءُ وَالضَّرّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ ) البقرة: 214. ، فالمراد من الرسول هو غير النبي الأكرم من الرسل السابقين، هذا ما وصلنا إليه في تفسير الآية، ولعلّ القارئ يجد تفسيراً أوقع في النفس مما ذكرناه. أ هــ .
وأقول من هو المقصود غير النبي يا ترى !
3 ـ
نقض العصمة بدل إثباتها :
اعترف العالم جعفر السبحاتي بأن المحققون لجأوا إلى إعادة النظر في تعريف العصمة بمفهومها الاصطلاحي اللاهوتي المعروف والغرض حتى تؤيد بعضها الآخر .
في شرح معنى العصمة قال السبحاتي : لا شكّ انّ الإنسان بالذات غير مصون عن الخطأ والنسيان، والانحراف والعصيان ولذلك يصفه سبحانه بقوله: (انّ الإنسان لفي خسر) فلو بلغ الإنسان إلى مرحلة لا يعصي ولا يُخطِئ ولا يَنْسى فهو لأجل عامل خارجي عن ذاته يبلغ به إلى تلك الدرجة التي يعبّر عنها بالعصمة، ولذلك عاد المحقّقون إلى تعريف العصمة بتعاريف يؤيد بعضها بعضاً. أ هـ
أقول إعادة النظر تعني خطأ ما تناقلوه عن معنى العصمة المطلقة لا غير ، وهذا بالطبع نتيجة التفكير المنطقي في ما توارثوه جيل بعد جيل حتى دفعهم ليعلنوا بصوت مسموع عن تساؤلاتهم وتشكيكهم بمعنى العصمة بمفهومهم ، ولكن لم يستفادوا من منطق العقل فراحوا يبحثون عن مخرج يخادعون الله ورسوله وما يخادعون إلا أنفسهم . لنكمل وسنرى كيف خرقوا طبيعة الخلق وخرقوا المنطق في الاستدلال وناقضوا حتى معنى العصمة التي تشبعت بها عقول عوام الشيعة مضطرين حتى تتوافق مع نصوص القرآن .
يقول : لو كانت العصمة موهبة من اللّه مفاضة منه سبحانه إلى رسله وأوصيائهم لم تعد عندئذ كمالاً ومفتخرة للمعصوم حتى يستحق بها التحميد، فإنّ الكمال الخارج عن الاختيار كصفاء اللؤلؤ لا يستحق التحميد، فإنّ الحمد إنّما يصحّ مقابل الفعل الاختياري، وإليك الاجابة .
العصمة ، موهبة إلهية أو أمر اكتسابي :
يقول السبحاتي : فالظاهر من كلمات المتكلّمين انّها موهبة من مواهب اللّه سبحانه يتفضل بها على من يشاء من عباده بعد وجود أرضيات صالحة وقابليات مصحّحة لإفاضتها عليهم ، تلك القابليات على قسمين: قسم خارج عن اختيار المعصوم، وقسم واقع في إرادته واختياره، امّا القسم الأوّل فيتلخص في عامل الوراثة والتربية. هناك عامل ثالث لهذه الإفاضة، وهو داخل في إطار الاختيار وحرّية الإنسان بخلاف العاملين السابقين وهو: إنّ حياة الأنبياء من لدن ولادتهم إلى زمان بعثتهم، مشحونة بالمجاهدات الفردية، والاجتماعية، وإن شئت قلت: إنّ اللّه سبحانه وقف على ضمائرهم ونيّاتهم ومستقبل أمرهم، ومصير حالهم وعلم أنّهم ذوات مقدسة، لو أُفيضت إليهم تلك الموهبة، لاستعانوا بها في طريق الطاعة وترك المعصية بحرية واختيار، وهذا العلم كاف لتصحيح إفاضة تلك الموهبة عليهم بخلاف من يُعلَم من حاله خلافُ ذلك. أ هـ
يشرح هذه المسألة كما هو واضح بخلاف المنطق وهذا أمر لا بد منه، فقد لجأ إلى تعطيل المنطق حفاظاً على أحد أسس دين التشيع وهو عصمة الأئمة لأن عند هدمها لا يبقى ما يبنون عليه مستحقات الولاية والإمامة ، ولا يبقى دعوى عند الشيعة بأنهم يأخذون دينهم من معصومين لا من بشر عاديين يصيبون ويخطأون ، وإلا ما الفرق بيننا وبينهم حين نقلنا الدين عن الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ رغم ذلك فكل مروياتهم تعتمد في سندها على غير المعصومين وهذا تناقض آخر ليس هنا محل بحثه، ولكن أشرت إليه من باب الشيء بالشيء يذكر.
لتوضيح التناقض غير المنطقي سأتناوله من منظورين ، المنظور الأول : طبيعة الخلق ، والمنظور الثاني : الفيض الإلهي
المنظور الأول : عن طبيعة خلق الأئمة ، فمعلوم ما اتفق عليه علماء الإمامية بأنهم خلقوا من نور الله قبل الخلق في عالم الذر *، ونسبوا لهم الكمال وصفات الله ــ سبحانه وتعالى عما يصفون ــ وقد عبر عنه السبحاتي بلفظ (كمال نفساني له أثره الخاص) ، وكون العامل الوراثي سبب العصمة، فهو ما عناه (الخارج عن اختيار المعصوم) ـ وهذا إن سلمنا له جدلاً ــ فلا يكون إلا بإرادة الله ومشيئته وبإحكام صنعته لا بجهل منه سبحانه بكيفيتها بعد الصيرورة، فلا يحتاج لمراقبة تصرفات الأئمة ليتبعه أمر بالفيض ، لأن في أصل خلقتهم إحكام نوراني متوارث يمنع العصيان . فكيف يجوز أن يبحث علماءهم بجواز ارتكاب المعصية من قبل المعصوم ومسألة اختياره ؟! يقول الشريف المرتضى بنص الكتاب أعلاه في مسألة النقض ذاته : (وعلى كل تقدير فالإنسان المعصوم مختار في فعله، قادر على كلا طرفي القضية من الفعل والترك ).
المنظور الثاني :عن الفيض الإلهي، فقد فرض السبحاتي أن العصمة تواجدت بعد الخلق وليس في حال الخلق وأنها لم تكسب صفة التواجد والإفاضة إلا بعد اطلاع الله على حياتهم ونياتهم ، وأن ترك المعصية كانت بحرية واختيار منهم، واستعمل أداة الشرط (لو) في قوله لو أفيضت لاستعانوا بها ، أي يقصد السبحاتي لو لم تحصل إفاضتها من الله لما استعانوا بها في حياتهم ، وأقول ،هذا لا خلاف عليه بالنسبة للأنبياء كما حصل مع النبي يوسف عليه السلام واستعصامه من غواية أمرأة العزيز، ولكن لا تصح عند الأئمة لأنه يناقض مروياتهم التي تقول أن الإمام يولد وله صفات الإمامة والعصمة لازمة لها ، فالسبحاتي نسف العصمة من حيث أراد إثباتها ونسف عقائد متواترة في كتبهم ، تماماً كما ناقض علماءهم إمامة الأئمة وفق آية إمامة إبراهيم عليه السلام التي جاءت بنص محكم بأن لطف الإمامة كما يصفوها جاء بعد الابتلاء لا قبله ، بينما يفترض أنهم ولدوا بها ومن جهة أخرى لم يعلم في سيرتهم رضي الله عنهم أن هناك ابتلاء لهم قبل إطلاق صفة الإمامة عليهم .
4 ـ
رفض صريح القرآن والسيرة :
ما زالت اعتقادات فاسدة في كتب الإمامية تصطدم بالقرآن والحديث والسيرة والعقل ، منها قوله :
أـ : إنّ القرآن الكريم يصرح بأنّ الهدف من بعث الأنبياء هو تزكية نفوس الناس وتصفيتهم من الرذائل وغرس الفضائل فيها، قال سبحانه حاكياً عن لسان إبراهيم: ( رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ وَالحِكْمَةَ وَيُزَكّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) . أ هـ
كيف أغفل معنى يتلوا عليهم آياتك وهي الآمرة بعادة الله العبادة الخالصة بالتوحيد وترك الشرك وإداء فروض الطاعة ؟ ( وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) الذاريات 56 . لو كان الهدف هو تزكية النفوس لاقتصرت الآية على جملة (يزكيهم) .
ب ـ أما عن علم الغيب عند الأئمة وقد نسفها السبحاتي أيضاً بحكمة الله . يقول : إنّ هذا العلم أعني ملكة العصمة لا يغيِّر الطبيعة الإنسانية المختارة في أفعالها الإرادية، ولا يخرجها إلى ساحة الإجبار والاضطرار كيف؟ والعلم من مبادئ الاختيار، ومجرد قوة العلم لا يوجب إلاّ قوة الإرادة كطالب السلامة إذا أيقن بكون مائع ما، سماً قاتلاً من حينه فإنّه يمتنع باختياره من شربه قطعاً، وإنّما يضطر الفاعل ويجبر إذا أخرج المجبر أحد طرفي الفعل والترك من الإمكان إلى الامتناع. أ هـ
كيف فسروا موت الحسن بالسم وموت موسى الكاظم وموت موسى الرضا رضي الله عنهم ؟
ج ــ رفض السبحاتي أن يسهو النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة لأنه تعامل بالعقل المتبوع للعقيدة الإمامية المعاصرة لا للمنطق وحكمة الدعوة . فقد أعترف عالمهم الماماقاني بأنه شيء مستحدث ، يقول في كتابه" تنقيح المقال" ( 3/ 240):( أن نفي السهو عن الأئمة أصبح من ضرورات المذهب الشيعي ) .
أختلف علماءهم المتقدمين بأنهم كنوا يقولون بسهو النبي صلى الله عليه وسلم وينكرون من أنكرها ، يقول شيخهم ابن بابويه الملقب بالصدوق في "من لا يحضرة الفقيه"(1/234): (أن الغلاة والمفوضة لعنهم الله ينكرون سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم ) .
ترى كيف يتجاهلون أحكام الشك في الصلاة وسجدتي السهو وصلاة الاحتياط ومثبتة في كتبهم الفقهية ؟
د ـ تجاهل النصوص الصريحة بغفران الله للذنوب ، في السورة التي أسمها (غافر) قال تعالى
( فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَٱسْتَغْفِـرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ ) غافر 55
( فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ) محمد 19
( لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً ) الفتح 2
بعد كل هذا أضع أقوى ما وجدته في كتابه بعد نقضه للعصمة المطلقة
4 ـ
السبحاتي ينسب إمكانية العصمة المطلقة للبشر العاديين !
يقول في تعريف العصمة وحقيقتها :
العامل الذي يصدّ الإنسان عن اقتراف المعاصي بل عن ارتكاب الخطأ والنسيان أحد الأُمور الثلاثة التالية على وجه منع الخلو وليست بمانعة عن الجمع :
الدرجة القصوى من التقوى ــ نتيجة العلم القطعي بعواقب المعاصي ــ الاستشعار بعظمة الربّ وكماله وجماله
إنّ العصمة ملكة نفسانية راسخة في النفس لها آثار خاصة كسائر الملكات النفسانية من الشجاعة والعفة والسخاء، فإذا كان الإنسان شجاعاً وجسوراً، سخياً وباذلاً، وعفيفاً ونزيهاً، يطلب في حياته معالي الأُمور، ويتجنب عن سفاسفها فيطرد ما يخالفه من الآثار، كالخوف والجبن والبخل والإمساك، والقبح والسوء، ولا يرى في حياته أثراً منها. ومثله العصمة، فإذا بلغ الإنسان درجة قصوى من التقوى، وصارت تلك الحالة راسخة في نفسه، يصل الإنسان إلى حد لا يُرى في حياته أثر من العصيان والطغيان، والتمرّد والتجرّي، وتصير ساحته نقية عن المعصية.
العلم القطعي بعواقب المعاصي والآثام، يصدّ الإنسان عن اقترافها وارتكابها، والمراد من هذا العلم، هو بلوغ الإنسان من حيث الكمال درجة يلمس في هذه النشأة لوازم الأعمال وآثارها في النشأة الأُخرى وتبعاتها فيها، وهذا النوع من العلم القطعي يزيل الحجب بين الإنسان وآثار العمل، وكأنّه سبحانه يريد أمثال هذا العلم من قوله: ( كلاّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اليقينِ* لتروّنَ الجَحِيمَ ) .( [10]) ، فإذا ملك الإنسان هذا النوع من العلم وانكشف له الواقع كشفاً قطعياً، فهو لا يحوم حول المعاصي بل لا يفكر حوله.
إذا عرف الإنسان خالقه كمال المعرفة الميسورة، وتعرَّف على معدن الكمال المطلق وجماله وجلاله، وجد في نفسه انجذاباً نحو الحق، وتعلّقاً خاصاً به بحيث لا يستبدل برضاه شيئاً، فهذا الكمال المطلق هو الذي إذا تعرّف عليه الإنسان العارف، يؤجج في نفسه نيران الشوق والمحبّة، ويدفعه إلى أن لا يبغي سواه، ولا يطلب سوى إطاعة أمره وامتثال نهيه. ويصبح كلّ ما يخالف أمره ورضاه منفوراً لديه، مقبوحاً في نظره، أشدّ القبح وعندئذ يصبح الإنسان مصوناً عن المخالفة، بعيداً عن المعصية بحيث لا يؤثر على رضاه شيئاً .
وأمّا أنّ الإنسان كيف يصل إلى هذا المقام؟ وما هو العامل الذي يُمكِّنُه من هذه الحالة؟ فهو بحث آخر سنرجع إليه في مستقبل الأبحاث. فإذا كانت العصمة من سنخ التقوى والدرجة العليا منها، يسهل لك تقسيمها إلى العصمة المطلقة والعصمة النسبية. فإنّ العصمة المطلقة وإن كانت تختص بطبقة خاصة من الناس لكن العصمة النسبيّة تعم كثيراً من الناس من غير فرق بين أولياء اللّه وغيرهم، لأنّ الإنسان الشريف الذي لا يقل وجوده في أوساطنا، وإن كان يقترف بعض المعاصي لكنه يجتنب عن بعضها اجتناباً تاماً بحيث يتجنب عن التفكير فيها فضلاً عن الإتيان بها. وعلى الجملة: إذا كانت حوافز الطغيان والعصيان والبواعث على المخالفة محكومة عند الإنسان، منفورة لديه لأجل الحالة الراسخة، يصير الإنسان معصوماً تاماً منزهاً عن كل عيب وشين. أ هــ
بعد أن أسقط السبحاتي عصمة الأئمة جازها لغيرهم، ولا شك يقصد علماء الإمامية وهو منهم بسبب المكاشفة والعرفانية ، وننتظر المرحلة التالية بعد العصمة .
ــــــــــــــــــــ
* أحمد بن محمد، عن محمد بن الحسن، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن محمد بن شعيب، عن عمران بن إسحاق الزعفراني، عن محمد بن مروان، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سمعته يقول: إن الله خلقنا من نور عظمته، ثم صور خلقنا من طينة مخزونة مكنونة من تحت العرش، فأسكن ذلك النور فيه، فكنا نحن خلقا وبشرا نورانيين لم يجعل لاحد في مثل الذي خلقنا منه نصيبا، وخلق أرواح شيعتنا من طينتنا و أبدانهم من طينة مخزونة مكنونة أسفل من ذلك الطينة ولم يجعل الله لاحد في مثل الذي خلقهم منه نصيبا إلا للانبياء، ولذلك صرنا نحن وهم: الناس، وصار سائر الناس همج، للنار وإلى النار
الكافي / باب خلق أبدان الائمة وارواحهم وقلوبهم عليهم السلام
ـــــــــــ
بقلم / آملة البغدادية 19/4/2012